إخراج الزجاجات البلاستيكية من بيئتنا

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٨/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٤٣ ص
إخراج الزجاجات البلاستيكية من بيئتنا

أليسيا بولر

اعتادت منطقة الشرق الأوسط لفترة طويلة استخدام مياه الشرب المعبأة في زجاجات بلاستيكية، ولكن هذا لم يعد ضروريًا؛ إذ إن توافر تقنيات ترشيح المياه المضمونة والآمنة يعني أن زمن استخدام عبوات المياه البلاستيكية المنتشرة في جميع أرجاء المنطقة قد انقضى، مما يزيل عبء التخلص من ملايين الأطنان من البلاستيك.

بما أن منطقة الخليج تواجه واحدة من أعلى البصمات الكربونية على الإطلاق في العالم، يعتزم الخبراء ابتكار حلول جديدة لتقليص معدلات الانبعاثات والنفايات فيها؛ وعلى رأسهم روكسانا كوسار، رائدة الأعمال المقيمة في دبي، والتي تعمل على إدخال تقنيات جديدة لتنقية المياه إلى المنطقة من خلال شركتها الناشئة المسماة «ليكويد أوف لايف».

تقول روكسانا: «نحن نعمل على تنفيذ حلول تنقية المياه التي تساعد على تقليل كمية البلاستيك نظراً لضرره على البيئة. إننا نقدم وسيلة أكثر استدامة وصديقة للبيئة لتزويد الناس بالمياه الصالحة للشرب».
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة الخليج للاستشارات الصناعية (جويك)، سيرتفع استهلاك المياه المعبأة في دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 50 في المائة إلى أكثر من 21 بليون لتر بحلول العام 2020. وعلى نطاق أوسع في المنطقة، من المتوقع أن تنمو صناعة المياه المعبأة بنسبة ستة في المائة سنوياً لتصل إلى بليوني لتر بحلول العام 2021 في مصر وحدها.
تعد عادة شرب المياه المعبأة مفضلة على الشرب من مياه الصنبور، التي غالبًا ما تعتبر غير آمنة أو غير مستساغة، في منطقة الشرق الأوسط. إذ أنه بحسب تقرير صادر عن شركة إيكومينا لإدارة النفايات، وهي شركة قطرية تعنى بتتبع قضايا إدارة النفايات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها أعلى معدلات استهلاك المياه المعبأة في العالم، حيث يستهلك كل مقيم من المقيمين فيها 250 لتراً في المتوسط من المياه المعبأة سنوياً. وبحسب تقرير منظمة إيكومينا، فإن 20 في المائة فقط من هذه العبوات البلاستيكية تخضع لعملية إعادة التدوير، بينما يتم التخلص من عدد كبير من تلك العبوات في البحر في نهاية المطاف، وبالتالي فإنها تشكل خطرًا على الحياة البحرية، في حين قد تستغرق النفايات البلاستيكية المتبقية ما يصل إلى 1000 سنة كي تتحلل.

ارتفعت الطاقة الإنتاجية للمياه المعبأة على مستوى المنطقة ككل إلى 15.3 بليون لتر في العام 2013، موزعة على 183 مصنعاً، علماً أن نصف الإنتاج تقريباً يتم في المملكة العربية السعودية. وقد دفعت هذه الأرقام المرتفعة نشطاء محليين، مثل منظمة دبي غومبوك غير الربحية، إلى خوض حملة لخفض استخدام البلاستيك عن طريق تشجيع الأفراد والشركات للجوء إلى شرب مياه الصنبور التي تتم تنقيتها وتعبئتها في أواني خاصة قابلة لإعادة الاستعمال.

لذلك، عرض الشيخ عبد العزيز النعيمي، المعروف باسم «الشيخ الأخضر» لنشاطه في مجال البيئة، دعمه العلني لحملات الحد من استعمال العبوات البلاستيكية محليًا. حيث قال الشيخ عبد العزيز، الذي يحتفظ بالماء الذي يشربه في إناء قابل لإعادة الاستعمال: «اعتراضنا ليس على استخدام مادة البلاستيك بحد ذاتها، بل على طريقة استخدام البشر لها». وأضاف قائلاً: «نحن بحاجة إلى أن نعيد النظر في تعلقنا بسبل استخدامنا لهذه المادة. علينا أن نغير من أنفسنا أولاً، عندها فقط سنتمكن من تغيير البيئة والمجتمع؛ لنتحول إلى مواطنين عالميين، وليس مواطنين بدولة الإمارات العربية المتحدة فقط».

تغيير العادات السائدة

قبل حوالي ثماني سنوات، قررت كورسار، الموظفة القانونية سابقًا، أن تبدأ بتحقيق أحلام طفولتها لتصبح «مدافعة عن البيئة» من خلال استيراد مرشحات تنقية مياه أمريكية الصنع إلى الإمارات العربية المتحدة. لقد مكنّت شركتها «ليكويد أوف لايف»، المكونة حالياً من خمسة موظفين، بعض الشركات الكبرى في البلاد من تصفية مياه الشرب المخصصة لموظفيها بأمان بحيث تصبح صالحة للشرب وخالية من أي طعم غير مستساغ. لقد بدأت كوسار الشركة في دبي في العام 2009، لكنها تعتزم الوصول بـ «ليكويد أوف لايف» إلى جميع أنحاء المنطقة كجزء من خطط الشركة التوسعية.
وقد اختارت شركات كبرى مثل الاتحاد للطيران، ومايكروسوفت، وآبل، وديلويت الحد من المياه المعبأة أو حظرها واستخدام مرشحات ليكويد أوف لايف. وتستطيع هذه الأنظمة أن تأخذ المياه مباشرة من المصدر وأن تقوم بترشيحها بطريقة صناعية مما يلغي حاجة البلاد إلى موزعات المياه البلاستيكية سعة 5 جالونات المنتشرة في كل مكان.
وفي هذا الإطار قالت كوسار: «في العام الفائت، استهلكت شركة الاتحاد للطيران ما يزيد على 500 ألف لتر من المياه المنقاة - أي أن ما يعادل 20 ألف عبوة بلاستيكية سعة 5 جالون لم يتم استخدامها نتيجةً لذلك». وإذا أخذنا في الاعتبار عملية طلب تلك العبوات البلاستيكية وتخزينها وتغييرها، وجمعها من الموزعين، وأيضًا الانبعاثات الناتجة عن عملية نقلها، سنجد أن شركة الاتحاد للطيران قد تمكنت من التخلص من كل ذلك تمامًا».
وأضافت: «إن موظفي الدعم سعداء للغاية بكونهم لم يعودوا مضطرين لجر قرابة الـ20 كيلوغرام من تلك العبوات البلاستيكية طوال الوقت، خاصةً في فصل الصيف. لقد تركت إزاحة هذه المهمة الشاقة عن كاهل هؤلاء الأشخاص أثرًا جيدًا للغاية على حياتهم».
وصرحت مؤسسِة شركة «ليكويد أوف لايف» أنها تحث زبائنها على استعمال القناني الزجاجية. فعلى سبيل المثال، أصبحت شركة ديلويت تقدم مياه الشرب لضيوفها في قاعات اجتماعاتهم في أكواب زجاجية. كما قالت: «قبل ذلك، كانت شركة ديلويت تستخدم القناني البلاستيكية المنفردة، وكان يتم التخلص منها بعد ذلك في موقع لطمر النفايات في الصحراء. حتى لو أرسلوا القناني لتخضع لإعادة التدوير، فإنها ستتسبب في إيجاد دورة نفايات أخرى. لذلك، فإننا نحثّ الناس دومًا على الحد قدر الإمكان من استخدام العبوات البلاستيكية الصالحة لمرة واحدة، من أجل حماية البيئة لأن عمليات نقل عبوات المياه البلاستيكية تتم بشكل واسع ومكثف

وبالتالي، فإن تقليل عدد الشاحنات المستخدمة في تلك العمليات هو الحل الأنسب للمحافظة على نقاء البيئة والهواء في المنطقة.

وبحسب كوسار، فإن أساس عملية تنقية المياه هو معرفة نوعية المياه التي يتم إدخالها للمرشحات. «لقد أجرينا العديد من الأبحاث حول ماهية المشاكل الخاصة بنوعية المياه هنا في دبي. ثم تعاونا مع شركات مصنعة في الولايات المتحدة تصمم المرشحات التي نستخدمها حسب الطلب. نحن نعمل مع أمريكا نظرًا إلى عدم وجود أية شركات محلية لتصنيع مرشحات تنقية المياه. لقد اكتشفنا أن قدرتنا على التواصل مع الشركات المصنعة في الولايات المتحدة مباشرةً يعني أن باستطاعتنا تعديل المرشحات وطلب تصميمها بحيث توفر مياه شرب فائقة الجودة».
على صعيد الأفراد، قالت روكسار إن شركتها «ليكويد أوف لايف» تقدم للأسر حلولاً ميسورة التكلفة لتنقية المياه. «على سبيل المثال، تأتينا العديد من الأمهات اللائي لديهن أطفالاً صغاراً، وبالتالي يتخوفن من أن يشرب أطفالهن المياه المعبأة، بسبب القضايا التي تثيرها وكالة حماية البيئة الأمريكية والمرتبطة بالمواد الكيميائية البلاستيكية. فهن يرغبن بتوفير مياه شرب أفضل لعائلاتهم، وهذا قرار نابع من عاطفة الأمومة الخاصة».
أما على مستوى الشركات، فنحن نتطلع إلى تقديم مياه شرب عالية الجودة للموظفين، تقول كوسار، وتضيف: «في الوقت نفسه، تهتم الشركات بأثر أعمالها على البيئة، ونحن نتيح لها الفرصة لتقليص بصمتها الكربونية بحيث تتمكن من تدارك التلوث. في نهاية المطاف، نحن نساعد الشركات أيضاً على توفير الكثير من المال».
كما أن العائدات على الاستثمارات تميل إلى أن تتحقق خلال 12 شهرًا تقريبًا أو أقل، من هنا «يمكن أن تصل الوفورات الجارية إلى 90% بالمقارنة مع التكاليف الحالية لاستخدام المياه المعبأة في زجاجات بلاستيكية».
كذلك، قالت كوسار إنها لاحظت خلال السنوات القليلة الفائتة تحولاً إيجابياً في مدى التزام السكان المحليين بالحد من تأثيرهم البيئي. وتضيف: «لطالما كان الوعي بالمشكلة موجوداً لدى الناس، لكن الأمر يتعلق بما إذا كان لديهم التزام حقيقي بإحداث التغيير أم لا. ما أراه الآن هو أن الناس يبدون رغبة حقيقية في التغيير. إذ أنهم مهتمون بالاستثمار في الحلول الأصلح للأسر وللقوى العاملة وللبيئة على حد السواء».

متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا