قصة التمويل الأصغر

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠١/مايو/٢٠١٧ ٠٤:٢٧ ص
قصة التمويل الأصغر

أليشيا بولر

فتح ظهور التمويل الأصغر المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية المجال أمام تمويل الملايين من رواد الأعمال المحتملين في منطقة الشرق الأوسط وخارجها. هنا سنتحرى إمكانية صعود جيل جديد من آليات التمويل الأصغر الإسلامي.

أبرم مصرف الريان، وهو أكبر مصرف إسلامي في المملكة المتحدة، شراكة مع منظمة الإغاثة الإسلامية العالمية، وهي إحدى أكبر المنظمات الخيرية في العالم. وفي إطار هذه الشراكة، من المقرر أن يساهم المصرف في تعزيز أحدث مبادرات التمويل الأصغر الإسلامي (Microfinance) التي تطرحها المنظمة وإتاحتها إلى قاعدة عملائها البالغ عددهم 70 ألف زبون في كلّ من المملكة المتحدة ومنطقة الشرق الأوسط. ووفقًا للدكتور محمد كروسين، رئيس التمويل الأصغر الإسلامي في منظمة الإغاثة الإسلامية، تهدف هذه الخطوة إلى زيادة مستوى الوعي بشأن أهمية مبادرات التمويل الأصغر الإسلامي التي لا تمثّل حالياً سوى واحد في المئة من إجمالي مشاريع التمويل الأصغر على الصعيد العالمي.

تدعم مبادرات التمويل الأصغر الإسلامي تقديم الخدمات المالية اللازمة إلى السكان ذوي الدخل المنخفض، الأمر الذي يتفق مع مبادئ التمويل الإسلامي. ووفقًا للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (CGAP سيجاب)، فإن حوالي 72 في المئة من السكان الذين يعيشون في بلدان ذات أغلبية مسلمة لا يستفيدون من الخدمات المالية الرسمية المقدّمة وبالتالي «غير مشمولين في الخدمات المصرفية».
بحسب تقرير «التمويل الأصغر الإسلامي: رغم توافر الخدمات المالية لمساعدة الفقراء، إلّا أن كثيراً من الناس يعتقدون أن المنتجات المالية لا تتماشى مع المبادئ التّي تنصّ عليها أحكام الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يؤدي إلى إحجامهم عن قبول المساعدة. ويشير التقرير إلى أنه «في السنوات الأخيرة، سعت بعض مؤسسات التمويل الأصغر لإتاحة خدماتها أمام العملاء المسلمين من ذوي الدخل المنخفض الذين يرغبون في الاستفادة من مزايا منتجات تتوافق مع المبادئ المالية الإسلامية، الأمر الذي أدّى إلى ظهور مبادرات التمويل الأصغر الإسلامي كمنتج متخصص جديد في السوق».
وفي السياق نفسه، أضاف د.محمد كروسين: «يمكن أن تثمر إتاحة مبادرات التمويل الأصغر الإسلامي عن تمهيد السبيل أمام الملايين من فقراء المسلمين للوصول إلى الخدمات المالية».
واليوم، تتركز مبادرات التمويل الأصغر الإسلامي بشكلٍ رئيسي في ثلاثة بلدان وهي: إندونيسيا وبنغلادش والسودان. ووفقًا للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء، ساهم هذا النوع من عمليات التمويل في مساعدة حوالى 300,000 زبون، وذلك من خلال 126 مؤسسة تعمل في 14 بلداً، وتمّ ربط ما يقارب الـ80,000 عميل بشبكةٍ من التعاونيات الإندونيسية.
يقول عمران مادن، مدير منظمة الإغاثة الإسلامية في بريطانيا: «تُعرف المنظمة جيدًا بعملها في مجال إغاثة المنكوبين من الكوارث، إلّا أن قلائل يعرفون برنامج «سبل العيش المستدامة Sustainable Livelihoods» الذي يساعد الناس بدعمهم في إطلاق شركاتهم الخاصة، كوسيلة للتخفيف من وطأة الفقر بكرامةٍ. وبالتالي، ستساهم شراكتنا المبرمة مع مصرف الريان في مساعدتنا على تمكين المزيد من المجتمعات المحلية حتّى تصبح مستقلةً ومكتفيةً ذاتيًا».
ومن الجدير ذكره أن مصرف الريان سيتولى مهمة تقديم المساعدة الفنية والتسويقية لمنظمة الإغاثة الإسلامية، بالإضافة إلى تقديم خدمات خبرائها لاعتماد الخطط المالية. ويؤكد السيّد سلطان تشودري، الرئيس التنفيذي للمصرف، أن هذه الشراكة ستساهم في الربط ما بين منظمة الإغاثة الإسلامية و «الجهات المانحة».
ومن بين مشاريع التمويل الأصغر التي سيدعمها المصرف خلال أنشطة جمع الأموال مشروع في جمهورية مالي في غرب أفريقيا. بدأ «مشروع زبدة الشيا» على يد امرأة واحدة ثم نما وتطور ليضم 74 امراة يعملن في جمع زبدة الشيا التي تُستخرج من ثمار شجرة الشيا وتُستخدم عالميًا في مستحضرات التجميل كمرطب ومرهم وغسول. وتساهم عائدات هذا المشروع في دعم المجتمع بأسره وتُستثمر مجددًا في المشروع، مثل بناء منشأة مخصصة للتصنيع والتخزين حتى يتمكّن المزيد من أعضاء المجتمع من الاستفادة من هذه المشاريع الريادية النسائية.
ويضيف سلطان تشودري: «تشكّل الخدمات المصرفية الإسلاميّة جزءًا من المسؤولية الاجتماعية التي تضطلع بها المصارف والتي تؤثر أنشطتها على المجتمع ككل. ففي جمهورية مالي، يعاني قطاع التمويل الأصغر من ضعف في التنظيم، كما هو الحال في بلدان أخرى من العالم النامي، والبنية التحتية المالية مفككة، الأمر الذي يتطلّب اعتماد ما يُطلق عليه نموذج «الخدمات المصرفية القروية». وتساهم الأموال التي تجمعها المنظمة بالتعاون مع مصرفنا في إتاحة الفرصة أمام المجتمع المحلي لتشكيل مجموعات مساعدة ذاتية أو تعاونيات من شأنها حشد رؤوس الأموال من أعضائها في ودائع الادخار ثم تقديم قروض بدون فائدة».
يرى روبرت سكوفيلد، رئيس مؤسسة «FINCA International فينكا إنترناشونال»، إحدى أكبر جهات التمويل الأصغر في العالم، أن منطقة الشرق الأوسط نفسها تحظى بأدنى مستويات الاستفادة من مبادرات التمويل الأصغر في العالم. فيقول: «يعود ذلك إلى الاضطرابات التي شهدتها المنطقة مع نزوح الملايين من اللاجئين، ما جعل من الصعب جدًا تبني خطط التمويل الأصغر».
ويضيف روبرت سكوفيلد أن مستويات البطالة المرتفعة في المنطقة، لا سيما بين أوساط الشباب والنساء، قد تتحسن بفعل خطط التمويل الأصغر. فيقول عن ذلك: «لكن تفرض العادات على النساء البقاء في منازلهنّ وعدم المشاركة في الحياة العمليّة في بعض من البلدان الإسلامية التقليدية، ما يحول دون قدرتهنّ على الاستفادة من التمويل الأصغر».
ويوضح روبرت سكوفيلد أن عمليات التخطيط والتنفيذ من أجل تحويل مبادرات التمويل الأصغر التقليدية إلى آليات تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية قد عرقلت نمو القطاع في الماضي.
فيقول: «كان لا بدّ من أن تحصد هذه القضية اهتمامًا أكبر، أو على الأقل أن يتمّ تحديث هذه المبادرات بطريقةٍ أو بأخرى. فعلى سبيل المثال، تحظى مصر ببعض خطط التمويل الأصغر، إلّا أن هذا القطاع لا يزال ضعيفًا نسبيًا بيد أن ذلك سيتغيّر مع مرور الوقت. كما أبدت الحكومة العراقية اهتمامًا باعتماد مبادرات التمويل الأصغر. إلّا أن تبني المبادرات في سوريا يعتمد على وضعها الخطير الذي يشهد حربًا حاليًا!».
بحسب روبرت سكوفيلد، تساهم القروض الصغيرة المقدّمة في استحداث المزيد من فرص العمل وليس مجرد إفادة متلقي القرض فقط. فيقول في هذا السياق: «يساهم كلّ شخص من متلقي القروض في استحداث ما متوسطه 1,8 وظيفة عمل لغيره من الناس». ويؤكد روبرت على أن الفوائد المترتبة تعم على نطاق واسع، وذلك نظرًا لأن قطاع التمويل الأصغر يستهدف الأشخاص المهمشين ماليًا والذين يضطرون إلى اقتراض الأموال من أصدقائهم أو اللجوء إلى خيار أسوأ وطلب قروض بمعدلات فائدة باهظة. وعن ذلك يقول: «يقدّر الناس كافة الجهود التّي نبذلها لأنهم يدركون أن مهمتنا الأساسية هي مساعدتهم ومساندتهم؛ فنحن نسعى، وبشكلٍ دؤوب، لخدمة الفقراء الذين يحجمون عن اللجوء إلى مصارف الطبقة المتوسطة لطلب المساعدة منها».

متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا