«تنفيذ»: جرعة دواء أم تحول جذري

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٣٠/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٢٦ ص
«تنفيذ»: جرعة دواء أم تحول جذري

سمعان كرم

لا يظن أحد أن هناك دواء سحريا للاقتصاد، وإلا كانت الدول تتهافت على مصانع الأدوية والصيدليات كلما وقعت موازناتها في عجز أو حصل ركود في النمو. في شؤون الصحة مثلاً يشخص الطبيب المرض ويصف الدواء الذي يباع في الأسواق، أما في الشؤون الاقتصادية يتم التشخيص من قبل خبراء واقتصاديين لكن يبقى الدواء والعلاج من صنع المريض نفسه والصورة الأقرب هي حالة شخص أصيب بالسمنة الزائدة والتضخم، إذ يعرف تماماً أنه ليس هناك جرعة سحرية تنحفه فجأة، بل يعلم أن العلاج من صنع يديه فعليه أن يغَير نمط حياته ونظام غذائه بصورة جذرية.

بعد المشاركة في مختبرات «تنفيذ»، وحضور المؤتمرات المتعلقة به، داخلياً وخارجياً، والشروع في عمل اللجان المتخصصة تعرفنا على جوهر هذا البرنامج وعلى الشروط الضامنة لنجاحه. تبدأ الرحلة بوضع رؤية واضحة ومحددة وقابلة لقياس الإنجاز، وقد تم ذلك عندنا باختيار ثلاثة قطاعات واعدة وقطاعين داعمين من أصل حوالي تسعة عشر قطاعاً شملتهم الخطة الخمسية التاسعة التي تنتهي في سنة 2020. وقد يأتي دور القطاعات الأخرى تباعاً ضمن مراحل مستقبلية لبرنامج «تنفيذ». الكل يعلم أن القطاعات المستهدفة حالياً هي الصناعة والسياحة واللوجستيات يدعمها قطاع سوق العمل وقطاع التمويل. وأتت الموافقة على هذه الأولويات من الجهة العليا في البلاد، وبها انتهت المرحلة الأولى من البرنامج، ومن ثم قامت المختبرات بمهماتها واقترحت المبادرات فكانت الخطوة الثانية. ومن ثم عرضت تلك المبادرات على المواطنين لإبداء آرائهم فانتهت المرحلة الثالثة. إلى أن حرر كتاب «تنفيذ» ولم يطبع بعد فاكتملت المرحلة الرابعة. فوصلنا إذا إلى صلب الموضوع وهو التنفيذ. من المسؤول المباشر عنه؟ الإجابة متوفرة إذ هي الوزارات المعنية التي وقعت على البرنامج وتعهَدت بالالتزام بوضعه قيد التطبيق. ومن المسؤول عن المتابعة والمراقبة والتنسيق؟ هي وحدة التنفيذ التي استحدثت مؤخراً. لكن في الحقيقة كل منا مسؤول عن إنجاح المبادرات التي هي أصلاً قد صنعت في عُمان من قبل العمانيين. نحن إذا لسنا متفرجين ولا قضاة يقتصر دورهم على الأحكام المسبقة دونما المساهمة بشيء. حتى لو سلَمنا جدلا إننا متفرجون فهناك نوعان من المتفرجين: قسم يؤيد ويشجع ويتمنى الفوز والنجاح للفريق، كما نفعل عادة عندما يلعب الأحمر على الملاعب الخضراء فترقص قلوبنا معه، وقسم يتهرب من المسؤولية ويغطيها بلحاف من التشاؤم، ويتمنى للمحاولة الفشل ليثبت رأيه وذكاءه وإفلاسه إذ أن «تنفيذ» في الحقيقة هي حملة شاملة للتوعية ودعوة للاتكال على الله وعلى أنفسنا وعودة إلى الثقة بالذات.

أين نبدأ؟ نبدأ حكماً بالوزارات المعنية ومن بعدها جميع الوزارات وجميع أطراف المجتمع. البرنامج يتطلب التركيز على الأولويات والمثابرة دون ملل والإنجاز في الوقت المحدد ورفع التقارير في أوقاتها، وقياس الإنجاز بشفافية ودقة وعلم، ويتطلب أيضاً حل التحديات. كلها مهمات وفضائل وقيم لم يتعود عليها بعض موظفي الوزارات. فالمعاملات يطول تصريفها، والغياب المتكرر يضعف الإنتاج، والأولويات تكون مبعثرة أحياناً، والمساءلة إن وجدت تكون ضعيفة، والتقارير بالأرقام العلمية شبه معدومة. فكيف لهؤلاء أن ينجزوا ما تم الاتفاق عليه، وهم على تلك الحالة، إذ لا ينجزون أصلاً إلا القليل من مهماتهم اليومية ناهيك عن الرؤى العالية المنال. هنا تكمن ضرورة التحول الجذري في غياب الجرعة السحرية. هذا هو التحدي الكبير.
لكن ومن أجل إنصاف هؤلاء لا يمكننا أن ننتقد فقط بل أن نقترح الحلول أيضاً. فالوزارات المعنية تحتاج إلى مساعدة باقي الوزارات لها لإنجاح المبادرات فلا صناعات من دون البيئة والقوى العاملة المؤهلة، ولا لوجستيات من دون المالية والعلاقات الخارجية، ولا سياحة من دون قوانين الهجرة والتأشيرات، ولا قوانين جديدة من دون مجلسي الشورى والدولة، ولا مالية بدون اقتصاد. المؤازرة مطلوبة من الجميع وعلى كل هيئة أن تسأل نفسها كيف يمكنها أن تساعد.
أما القطاع الخاص الذي يسعى للربح، ولا بأس في ذلك، عليه أيضاً واجبات كثيرة تجاه «تنفيذ» ولا يكفي أن يساهم بوضع المبادرات حبراً على ورق بل أن يقرأ كتاب «تنفيذ» ويطلع على المشاريع ويؤلف التحالفات التجارية وأن يوفر الأموال ويشجع المستثمرين الأجانب وأن يعطيهم الثقة التي لا تولد عندهم إلا من قناعتنا نحن بجدوى تلك المشاريع. وعلينا جميعاً كمواطنين شبابا وكبار السن، نساء ورجالا أن نعي وندرك مسؤوليتنا التاريخية تجاه وطننا وتجاه أنفسنا وأولادنا. لنكشف إذاً عن سواعدنا وننهض باكراً كل يوم ولا نخلد إلى النوم إلا بعد أن ننجز ما علينا، إن كان ذلك ضمن برنامج «تنفيذ» أو خارجه. العمل الدؤوب يعوض عن بعض الفجوات أو النواقص التي قد توجد عندنا في هذه الفترة من تاريخنا، والعمل الدؤوب يتغلب على المنافسة الشرسة فنتحرك من وحي ضميرنا المهني وحبنا الكبير لعمان.