ترامب والدروس الألمانية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٨/أبريل/٢٠١٧ ٠٤:٣٠ ص
ترامب والدروس الألمانية

هانز فيرنر سِن

انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فائض الحساب الجاري الهائل لدى ألمانيا، والذي يعتبره نتيجة للتلاعب بالعملة الألمانية. لكنّ الرئيس مخطئ. ففي حين يُعَد الفائض الخارجي الألماني عند مستوى 8% من الناتج المحلي الإجمالي كبيراً -كبيراً للغاية- فإن هذا ليس نتيجة للتلاعب في العملة من قِبَل ألمانيا. بل تتلخص الأسباب الحقيقية وراء هذا في فقاعة الائتمان التضخمية في جنوب أوروبا، والسياسات التوسعية التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي، والمنتجات المالية التي باعتها بنوك الولايات المتحدة للعالَم. لذا، فبدلا من إلقاء اللوم على ألمانيا، يُحسِن الرئيس ترامب صنعا إذا رَكَّز على المؤسسات في بلده.

تمتد جذور الفائض الألماني إلى حقيقة مفادها أن ألمانيا تبيع سلعها بأثمان زهيدة للغاية. وهنا أصابت إدارة ترامب كبد الحقيقة. ذلك أن اليورو رخيص للغاية نسبة إلى الدولار الأمريكي، وألمانيا تبيع بأثمان أرخص مما ينبغي لشركائها التجاريين داخل منطقة اليورو. ويساعد خفض القيمة على هذا النحو في تعزيز الطلب على السلع الألمانية في بلدان أخرى، في حين يجعل ألمانيا عازفة عن الاستيراد بقدر ما تصدر.

يبلغ سعر اليورو حاليا 1.07 دولار، في حين يبلغ تعادل القوة الشرائية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 1.29 دولار. وهذا يعني ضمنا أن قيمة اليورو أقل مما ينبغي له بنحو 17%. وعلاوة على ذلك، تُعَد السلع الألمانية أرخص مما ينبغي بنحو 19% داخل منطقة اليورو إذا استخدمنا حسابات جولدمان ساكس من العام 2013 كخط أساس وطرحنا ارتفاع القيمة بالأرقام الحقيقية منذ ذلك الحين. في الإجمال، يعني هذا ضمنا أن عملة ألمانيا مقومة بأقل من قيمتها بنحو الثلث. وبالتالي فإن حقيقة تقدير المنتجات الألمانية بأقل من قيمتها لا جدال فيها. والسؤال هو لماذا انحرف سعر الصرف إلى هذا الحد عن الأساسيات؟
يرجع انخفاض قيمة العملة داخل منطقة اليورو إلى فقاعة الائتمان التضخمية الناجمة عن الإعلان عن اليورو وإطلاق إجراءات تفعيله في جنوب أوروبا بعد قمة مدريد في العام 1995، وهو ما جلب معه تخفيضات هائلة في أسعار الفائدة في هذه الاقتصادات. فقد انخفضت أسعار الفائدة في إيطاليا وإسبانيا والبرتغال بنحو خمس نقاط مئوية، وفي اليونان بنحو 20 نقطة مئوية.
وعمل الائتمان الأجنبي الرخيص الذي جلبه اليورو على تمكين حكومات هذه البلدان وقطاعات البناء لديها من زيادة الأجور بسرعة أكبر من زيادة الإنتاجية، وبالتالي دفع الأسعار إلى الارتفاع وساعد في تقويض القدرة التنافسية لقطاعاتها التصنيعية. ونجحت ألمانيا، التي كانت في أزمة عميقة في ذلك الوقت، في الإبقاء على التضخم عند مستوى منخفض، بما يتفق مع متطلبات معاهدة ماستريخت، وبهذا أصبحت ألمانيا أرخص وأرخص بالأرقام النسبية. وفي المقابل، كان انخفاض قيمة اليورو راجعا إلى سببين جذريين. يتلخص أحد السببين في السياسة النقدية المفرطة التساهل التي انتهجها البنك المركزي الأوروبي، وخاصة برنامج التيسير الكمي، والذي بموجبه يجري استخدام 2.3 تريليون يورو من الأموال المطبوعة حديثا لشراء الأوراق المالية التابعة لمنطقة اليورو.
ويتدفق جزء من الأموال إلى الخارج بحثا عن عوائد أعلى، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة اليورو. ويُعَد هذا شكلا من أشكال التلاعب غير المباشر بالعملة حقا. ولكن ينبغي لنا أن نلاحظ أن مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي تبنى التيسير الكمي وغير ذلك من التدابير التوسعية، رغم المعارضة الشرسة من قِبَل البنك المركزي الألماني. وعلى هذا فلا يجوز لنا أن نُحَمِّل ألمانيا المسؤولية عن هذه السياسة.
يكمن السبب الجذري الثاني وراء انخفاض قيمة اليورو في البلد الذي يتولى الرئيس ترامب رئاسته. فبفضل مكانة الدولار بوصفه العملة الاحتياطية الرئيسية في العالَم، تمكنت الصناعة المالية في الولايات المتحدة في العقود الأخيرة من تزويد المستثمرين الدوليين بخليط من المنتجات المغرية. وكان هذا كافيا لدفع قيمة الدولار إلى الارتفاع وتقويض القدرة التنافسية للصادرات بشكل مزمن، تماما كما فعلت المنتجات المالية التي قدمتها مدينة لندن في المملكة المتحدة من خلال زيادة قيمة الجنيه الإسترليني خلال سنوات عضوية الاتحاد الأوروبي التي لا جدال فيها.

أستاذ الاقتصاد في جامعة ميونيخ

ورئيس معهد ايفو للبحوث الاقتصادية سابقاً