مسقط – محمد البيباني
أكثر من ست سنوات من الحرب تكبدت سوريا خلالها خسائر يصعب إحصاؤها، طالت البشر والحجر. فمنذ 2011 تشهد سوريا عمليات عسكرية مدمرة، تحولت خلالها إلى ساحة حرب مفتوحة، يتخذ فيها الإرهابيون والدواعش ملجأ لهم.
خسائر السوريين جراء تلك الحرب طالت كل ما يمس الصلة بحياتهم من القتل والتشريد لجوءاً ونزوحاً إلى تدمير البنية الأساسية والمنازل والطرق وشبكات الكهرباء، الأمر الذي دفع الملايين الى الخروج من بلادهم هروبًا من جحيم القتل والقصف، الذي كان يلاحقهم دون توقف.
ورغم استمرار الحرب وعدم وجود افق لانتهائها لكن مع افتراض موغل في التفاؤل بالنجاح في وقفها ستبدأ معاناة جديدة لإعمار ما دمرته حرب السنوات الفائتة..
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان كم تستغرق عملية إعادة أعمار سوريا وما كلفتها؟ وهو الأمر الذي يقود إلى التساؤل حول حجم الخسائر التي من الممكن تعويضها ناهيك عن الخسائر البشرية التي من المستحيل تعويضها سواء القتلى أو المصابين أو الفارين، وصولاً إلى جيل جديد خرج من التاريخ لعدم حصوله على حقه في التعليم ناهيك عن الأضرار النفسية التي إصابتهم..
حجم الخسائر
أظهرت تقارير أممية حديثة أن خسائر الاقتصاد السوري خلال ست سنوات الحرب بلغت 259 بليون دولار أمريكي.
وجاء في تقارير أعدها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، والهيئة العليا لشؤون اللاجئين، ولجنة الأمم المتحدة للشؤون الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا) أن خسائر الاقتصاد في سوريا بلغت 259 بليون دولار، بينما بلغ عدد الأشخاص الذين يفتقدون إلى الأمن الغذائي 7 ملايين شخص.
وأضاف التقرير أن هناك 12.8 مليون شخص بحاجة لرعاية صحية، مع بلوغ عدد النازحين داخل البلاد لـ6.3 مليون نازح داخلي. وذكر التقرير أن 2.9 مليون طفل ولد خلال الحرب، وهناك 1.75 مليون طفل بلا تعليم.
أما عن اللاجئين خارجاً، فقال التقرير إن هناك 1.2 مليون طالب لجوء في أوروبا، و4.958.737 لاجئ مسجل في الخارج.
رؤية أخرى
كانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» قالت قبل أيام إن نحو 2.3 مليون شخص فروا من البلاد، لكن الأكثر عرضة للخطر هم الـ2.8 مليون شخص المحاصرين في مناطق يصعب الوصول إليها، بما في ذلك 280 ألف شخص يعيشون تحت الحصار.
واعتبر (يونيسيف) أن أطفال سوريا كانوا «في أسوأ ظروف ممكنة» في العام 2016، الذي شهد مقتل أكبر عدد من الأطفال بالمقارنة بأي عام آخر منذ بداية الحرب الأهلية.
وقدرت المنظمة إن 562 طفلاً على الأقل قتلوا خلال العام الفائت، من بينهم 255 قتلوا في مدارسهم أو بالقرب منها، بزيادة بلغت 20 في المئة عن عدد الذين قتلوا خلال 2015.
ويشمل هذا العدد أولئك الذين جرى التحقق رسمياً من مقتلهم، وهو ما يعني أن عدد الضحايا قد يكون أعلى بكثير، كما تعتقد المنظمة أن أكثر من 850 طفلاً جُندوا للقتال.
دراسة
في مارس من العام الفائت كشفت دراسة أجراها مركز «فرونتيير إيكونوميكس» الأسترالي للاستشارات ومؤسسة «ورلد فيجن» الخيرية أن الخسائر الاقتصادية للحرب في سوريا تقدر بنحو 689 بليون دولار إذا توقف القتال هذا العام، وأنها قد تصل إلى 1.3 تريليون دولار إذا استمرت الحرب حتى العام 2020.
وذكرت الدراسة أن هذه الخسائر أكبر 140 مرة من تقديرات الأمم المتحدة والدول المانحة، وأشارت إلى أن نصيب الفرد السوري من الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 45% بسبب الحرب.
وقالت فران تشارلز من مؤسسة ورلد فيجن لشبكة «سي أن بي سي» إن المقصود من تقدير الخسائر بنحو 689 بليون دولار هو ما ضاع من نمو اقتصادي حتى الآن، بالإضافة إلى ما قد يضيع مستقبلا لأن التعافي سيستغرق عشر سنوات.
أما إذا استمرت الحرب حتى العام 2020، واستغرق التعافي الاقتصادي 15 عاماً بعد ذلك، فإن الخسائر ستبلغ 1.3 تريليون دولار، وفقا لما ذكرته تشارلز.
غير أنها أكدت أن ما خسره اقتصاد سوريا فعليا بسبب الحرب بلغ حتى الآن 275 مليار دولار. وبحسب الدراسة، فإن الحرب التي اندلعت قبل خمس سنوات تسبب خسائر في النمو قدرها 4.5 بليون دولار شهرياً.
التعليم ضحية الحرب
تقرير نشرته صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية قبل أيام قال إن دراسة نشرتها مؤخرًا لجنة الإنقاذ الدولية ذكرت أن حوالي 1.75 مليون طفل وشاب في سوريا غير ملتحقين بالمدارس. تقرير الصحيفة الأمريكية أضاف بقوله إن إمكانية الالتحاق بالمؤسسات التعليمية والتعلم لا تمثل فقط مشكلة للأطفال داخل سوريا، وفقًا لمجموعات حقوقية. منظمة «هيومن رايتس ووتش» كانت قد أفادت في سبتمبر الفائت أن أكثر من نصف مليون طفل في سن الدراسة في سوريا ممن لجؤوا إلى تركيا والأردن ولبنان، لم يلتحقوا بالتعليم الرسمي في العام الدراسي السابق.
جيل ضائع
وقبل الحرب، كان هناك أكثر من 22 ألف مدرسة تعمل في جميع أنحاء البلاد، وفقًا لتقديرات خاصة بالأمم المتحدة. واليوم، هناك ما لا يقل عن 7400 مدرسة مغلقة، وتلك التي لا تزال تعمل بشكل عام تعاني من «سوء المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية»، وفق ما ذكر مسؤولون في لجنة الإنقاذ الدولية.
ويظهر تقرير لجنة الإنقاذ الدولية، الذي تم العمل عليه في نوفمبر الفائت، واستند إلى دراسة استقصائية أجريت على نحو 3000 طفل في خمس مدارس في شمال سوريا، أن ما يقرب من نصف الذين شملهم الاستقصاء، والذين يبلغ متوسط أعمارهم 13 عاماً، لم يتمكنوا من إكمال مسألة حسابية مخصصة للأطفال البالغين من العمر سبع سنوات. وحوالي ثلث طلاب الصف الثامن لم يتمكنوا من قراءة قصة من 60 كلمة مخصصة لطلاب الصف الثاني بشكل صحيح.
أرقام صادمة
كما أشار تقرير لجنة الإنقاذ الدولية إلى أن أكثر من 25% من التلاميذ الذين يتلقون مساعدات من اللجنة الدولية، والبالغ عددهم 3500 تلميذ، اضطروا للفرار من منازلهم، وأن الكثيرين أصيبوا بصدمة بعد مشاهدة تأثير القتال على أفراد الأسرة والضرر والدمار اللذين سببتهما الغارات الجوية. ومن النتائج المهمة الأخرى أن هناك 5.8 ملايين طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا يحتاجون إلى المساعدة التعليمية، ما يعني أنهم يواجهون صعوبة في الذهاب إلى المدرسة بسبب الأخطار التي قد يتعرضون لها.