بناء الجسور على ضفتي الخليج

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١١/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:١٥ ص
بناء الجسور على

ضفتي الخليج

خافيير سولانا
ارتفعت حدة التوتر بين إيران والمملكة العربية السعودية في وقت سابق من هذا الشهر، بسبب اقتحام المتظاهرين للسفارة السعودية في طهران بعد إعدام رجل دين شيعي في المملكة. هذه ليست سوى إحدى أحدث مظاهر التنافس العميق بين القوتين في الشرق الأوســــط. وإذا كانت عداوتهما المتبادلة منذ فترة طويلة بعيدة عن التقادم، كما صــــورت في بعض الأحيان، فإن العودة إلى التعاون ليست مستحيلة رغم التحديات، نظرا لمصالحهما المشتركة.

على الرغم من كون الانقسام الطائفي في هذين البلدين أساسيا في تأسيس هويتهما الوطنية -المملكة العربية السعودية هي القوة السنية الرائدة في العالم العربي، في حين أن إيران هي الأغلبية الشيعية- لم يكن دائما عنصرا من عناصر المواجهة في المنطقة. لكن في العام 1501 أنشأت السلالة الصفوية المذهب الشيعي كدين رسمي لبلاد الفرس، تمييزا عن جاره العثماني السني، الذي كان يحتل جزءا من أراضيه. وخلال القرنين اللاحقين، واجه بلاد الفرس الإمبراطورية العثمانية -قلب الخلافة السنية- من أجل التفوق الإقليمي.
في العام 1932، تم تأسيس المملكة العربية السعودية معتمدة الوهابية -مدرسة الإسلام السني- كعقيدة رسمية. ومع ذلك، أنشأت المملكة العربية السعودية وإيران علاقات دبلوماسية. وتعمق الأمن والتعاون السياسي بينهما في الستينيات وأوائل السبعينيات، وذلك بسبب مصلحتيهما المشتركة في مواجهة الحركات المتطرفة التي كانت تهدد نظامهما الملكي. كما أنهما عملا على الحد من تقدم النمط السوفياتي الشيوعي في العالم العربي، وبرزا كحليفين رئيسيين للغرب خلال الحرب الباردة، وخصوصا الولايات المتحدة.
في أواخر السبعينيات، اندلعت معركة طائفية حيث أخذت المملكة العربية السعودية، وبدعم من المكاسب المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط، توسع جهودها الأمنية من خلال تصدير الوهابية. وأحست بتهديد مباشر بعد عام 1979، عندما أطاحت الثورة الإسلامية في إيران بالشاه وأعلن النظام الجديد نفسه زعيم الشيعة في جميع أنحاء العالم.
ومقابل الدعوة من أجل تحرير كل الشيعة في إيران، ضاعفت المملكة العربية السعودية جهودها لنشر الوهابية، مما أدى إلى تكثيف الصراع بين القوتين.
رغم أنه لم تندلع أي مواجهة مباشرة بين الجانبين، لم يكن هناك أي نقص في معارك بالوكالة، بدءا من الحرب العراقية الإيرانية في 1980.
وفي الآونة الأخيــــرة، أثناء الحـــرب الأهلية في سوريا، حيث تدعـــم إيــران الرئيــــس السوري بشـــار الأســــد، الــــذي يمثل الطــائفة العلــــوية من الإسلام الشيعي، في حين أن السعودية تدعــــم القـــوى الســـنية المناهضـــة للأســــــد.
وفي اليمن، قام طيران التحالف بقيادة السعودية بسلسلة ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺎﺭاﺕ ﺍﻟﺠﻮية المكثفة استهدفت الحوثيين الزيديين الشيعة المتمردين والمدعومين من إيران والذين يقاتلون الحكومة التي يقودهـــا الســــنة حيث أسفر الصراع عن مقتل ما لا يقل عن 6000 شخص.
ولكن، كما في الماضي، المواجهة بين القوتين لها صلة بالتطورات المحلية. كل من إيران والمملكة العربية السعودية تشهد حاليا تحولات ســــياسية واقتصــــادية مهمة يمكن أن تترك نظاميهما عرضة للخطر.
إيران تستعد لانتخاب برلمان جديد ومجلس الخبراء (الذي سيختار المرشد الأعلى للبلاد) في فبراير، وهي في حالة يرثى لها من الناحـــية الاقتصادية. فقـــد بلغ معدل البطالة 11.4 % في العام 2014، وهو أعلى بكثير بين الشباب. وقد أدى الاتفاق الــــدولي بشــأن برنامج إيران النووي الآن إلى رفع العقوبات. إلا أن فوائده الاقتصــــادية لا تزال لم تبرز على نطاق واسع.
بالطبع، إذا ما استمرت جهود الرئيس حسن روحاني لفتح إيران على العالم الخارجي، تلك الفوائد ستبرز على نطاق واسع في نهاية المطاف، وستزيد من نمو الطبقة الوسطى. ولكن لهذا السبب بالذات، العناصر الأكثر المحافظة داخل الحكومة الإيرانية تشكك بشدة في برنامج روحاني الإصلاحي، لأنه سيساعد على ظهور محتمل لمجتمع أكثر دنيوية، مجتمع تعددي يمكن أن يشكل تهديدا خطيرا لبقاء النظام.
في الواقع، على الرغم من أن المرشــــد الأعلى آية الله علي خامنئي صادق على الاتفاق النووي العـــــام الفائت، فقد أعلن مرارا وتكرارا أنه لا يزال لا يثق في الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مجلـــــس صيانة الدســــتور الذي يســــيطر عليه المحافظـــون -الذي يضم ســـتة علماء دين يعينهم المرشـــد الأعلى وســـتة قضاة يرشــــحهم القضـــــاء ويوافق عليهم البرلمان- رفض 99 % من المرشحين الإصــــلاحيين للانتخابات المقبلة. وهكذا من المتوقع أن يتـــم تكثيف المعارضــــة البرلمانية لإصلاحات روحاني.
وتشهد المملكة العربية السعودية أيضا نقطة تحول. في العام الفائت، بعد وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، الذي حكم لمدة عشر سنوات، صعد أخوه غير الشقيق، سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى العرش.
ومنذ ذلك الحين فوض سلمان المســـؤولية الحكومية لولي العهد الأمير محمد بن نايف ونائب ولي العهد الأمير محـــمد بن سلمان آل ســــعود. وتقع هــذه التغييرات على رأس هـــرم الــدولة في سياق التـدهـــور الاقتصــــادي الحاد الناجم عن انهيار أسعار النفــط العالمــــية. وقــد استنفدت إيرادات الميــزانيـــة إلى نقطــــة وصل فيها العجز المالي 15 % من الناتج المحلي الإجمالي العام الفائت.
في هذا السياق غير المستقر، يبدو أن القادة في كل من إيران والمملكة العربية السعودية يعتقدون بأن استمرار المواجهة سوف يساعد على الحفاظ عليهم في السلطة، معززين الفكرة القائلة بأن المزيد من التغيير، وخصوصا في شكل زيادة الانفتاح الاقتصادي أو السياسي، سيكون خطيرا.
ومن ثم فإن ربط علاقات ودية (أو على الأقل بناءة) بين القوتين يبدو احتمالا بعيدا، على الأقل في المستقبل المنظور. ولكن يمكن اتخاذ خطوات من شأنها منع مزيد من التوتر. وكانت إدانة خامنئي للهجوم على السفارة السعودية، التي وصفها بأنها ضارة للوطن والإسلام، جديرة بالذكر في هذا السياق.
رغم هذه الخطوات، من غير المرجح أن تتوصل إيران والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق بشأن سوريا في الجولة المقبلة من المحادثات الدولية.
ولكن التقدم نحو إنهاء الحرب في اليمن -التي لا تزال في مرحلة مبكرة بالمقارنة مع الحرب الســـورية، والتي لا تنطوي على مصالح دولية وإقليمــية كبرى- يبقى ممكنا، لاسيما على ضوء المتاعـــب الاقتصادية للمملكة العربيـــة الســــعودية. فالمفتاح سيكــون الاتفـاق علـى وقــف إطلاق النار، تمهيدا لحل طويل الأمــــد للنزاع.
وبينما تظل الهوة بين إيران والمملكة العربيــة الســعودية عميقة، يمكن للتــــعاون العملي في مسائل محــددة مثل اليمن أن يساعد على بناء الجسور. فهـــذا من شأنه أن يعود بالفائدة على المنطقة بأكملها.

ممثل الاتحاد الأوروبي الأعلى السابق لشؤون السياسة الخارجية والأمن