أحمد الفضالة يكتب للشبيبة: هولوكوست نتن ياهو على غزة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/مايو/٢٠٢٥ ٢٢:٢٤ م
أحمد الفضالة يكتب للشبيبة: هولوكوست نتن ياهو على غزة
أحمد الشيخ عبدالله الفضالة .. كاتب من مملكة البحرين وعضو جمعية الصحفيين البحرينية

"لا مكان، ولا أحد آمناً في غزة منذ بداية الحرب"

                 فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا

عندما يُذكَر مصطلح (الهولوكوست)، تتجه الأنظار مباشرة إلى الإبادة الجماعية التي قيل إن اليهود تعرضوا لها في أوروبا وخصوصاً في ألمانيا خلال ما قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية، والتي يقال إنه قتل فيها ما يُقدَّر بملايين من اليهود على يد النظام النازي في المانيا، مما استدعى استنكار دول في العالم لتلك المجازر، ونحت نحوها دول عربية وإسلامية، فغدا ذلك (الهولوكوست) رمزًا عالميًا لمعاناة الأبرياء وضحايا السياسات العنصرية والمجازر الجماعية، ورافعة أخلاقية لَطالما استندت إليها (إسرائيل) في بناء (شرعيتها) دولياً.

على أن المفارقة المأساوية، بل الفضيحة الأخلاقية، أن (الدولة) التي وُلدت من رحِم تلك الكارثة التاريخية، باتت اليوم ترتكب جريمة شبيهة بل وأكثر ضد شعب أعزل محاصر، في رقعة صغيرة من الأرض هي (قطاع غزة)، وبإمرة المدعو بنيامين نتنياهو وطغمته، والذين طالما رفعوا ورددوا شعارات ومزاعم "الأمن القومي" و"محاربة الإرهاب"، وتحوّلت غزة إلى مسرحٍ لواحدة من أبشع صور الانتقام الجماعي في العصر الحديث، وهو هولوكوست جديد، لكن هذه المرة الضحية هم الفلسطينيون، والجلاد فئة متسمية بـ(دولة) وفي الوقت نفسه تدّعي – بممارساتها تلك ـ (الدفاع عن حقوق الإنسان)!!

ومنذ بداية شهر مارس 2025، والذي تزامن مع شهر رمضان المبارك.. الشهر الذي يقدسه المسلمون حول العالم، شنّت (إسرائيل) واحدة من أعنف حملاتها العسكرية على غزة، تحت اسم (القوة والسيف). وفي 17 مارس تحديدًا، بدأت القوات (الإسرائيلية) تنفيذ هجوم صاروخي ومدفعي واسع النطاق على مختلف مناطق غزة، تلاه اجتياح بري لعدة مناطق في القطاع، شملت مدينة غزة، خان يونس، ورفح. وإضافة لذلك واصلت (حكومة) نتنياهو في ممارسة تجويع ممنهج ومتعمَّد ضد السكان المدنيين، إذ فرضت حصاراً جائرا على كامل غزة منعت بموجبه وصول الغذاء والدواء والأجهزة والأدوات الطبية الضرورية، كما منعت المرضى المحتاجين للعلاج والرعاية الخاصة من السفر للخارج، هذا إضافة لقطع تيار الكهرباء وتدمير آبار ومصادر المياه وتخريب المجاري لخلق بيئة غير صحية قاتلة تتسبب في انتشار الأوبئة الفتاكة.

وبحسب وزارة الصحة في غزة، أسفرت هذه الحملة عن استشهاد أكثر من 404 أشخاص وإصابة أكثر من 562 آخرين خلال أيام قليلة فقط، وكان معظم الضحايا من النساء والأطفال. كما سقط أكثر من 150 طفلًا، في مشهد يعيد إلى الأذهان صور ضحايا (الهولوكوست) الأصلي، لكن هذه المرة تُبث هذه الأحداث المتوالية مباشرة أمام أعين العالم لحظة بلحظة، وبلا أفران غاز بل بغارات جوية لاتتوقف وبصواريخ ذكية وطائرات مسيَّرة وقصف مدفعى وبحري متواصل بحيث لم ترحم رضيعاً ولا طفلاً ولا مسناً، بل وحتى مراكز المنظمات الإنسانية والدولية والمستشفيات والمراكز الصحية وسيارات الإسعاف لم تسلم من القصف بأنواعه والتدمير والاستهداف والهدم.

وإثر ذلك أعلنت منظمة الأمم المتحدة، عبر أمينها العام أنطونيو غوتيريش، عن "قلق بالغ" إزاء تصاعد العنف، معربًا عن صدمته من استهداف قافلة طبية وإنسانية في 23 مارس، ما أدى إلى مقتل 15 من العاملين في المجالين الطبي والإنساني. ووفق تصريحات ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، فإن أكثر من 100 ألف فلسطيني قد تم تهجيرهم من رفح وحدها خلال يومين فقط، بعد أن دُمّرت بيوتهم في عمليات قصف عشوائي وغير مبرر.

ومن جهته ادَّعى (الجيش) (الإسرائيلي) أن الهجمات تهدف إلى "إضعاف حماس" واستهداف "قادة عسكريين"، لكن تقارير مستقلة، وشهادات منظمات حقوقية، أظهرت أن معظم الضحايا هم من المدنيين. بل إن بعض المحللين رأوا أن هذه العملية لا تختلف كثيرًا عن التطهير العرقي، أو على الأقل تعكس استخفافًا فادحًا بقواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة أن المجازر وقعت في وقت يفترض أن يكون رمزًا للسلام والتأمل الروحي.. وهو شهر رمضان.

ووفقا لآخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغت الخسائر البشرية وفق احصائية رسمية لوزارة الصحة الفلسطينية؛ من قبل الاحتلال (الإسرائيلي) على فلسطين منذ 7/10/2023 لغاية 15/4/2025 كما يلي:

51،900 مجموع الشهداء في قطاع غزة

17950 طفلا (قطاع غزة)

12365 امرأة (قطاع غزة)

955 مجموع الشهداء في الضفة الغربية

3535 مسناً (قطاع غزة)

1394 شهيداً عدد أفراد الطواقم الطبية

210 شهداء من العاملين بالصحافة

800 شهيد من الكوادر التعليمية

188 طفلاً شهيداً في الضفة الغربية

203 شهداء من موظفي الأونروا

105 شهداء من الدفاع المدني

11200 عدد المفقودين

4700 مفقودين من النساء والأطفال

123043 عدد الجرحى والمعاقين

18700 حالات الاعتقال

2،000،000 مليوني نازح إجباريا.

كما بلغ عدد المباني المدمرة كليا وجزئياً 173،311 مبنى.

جاء في صحيفة (الغارديان) البريطانية، في أبريل 2025م "كل يوم دون وقف إطلاق النار يجلب مأساة جديدة.. والناس يموتون ليس فقط من القصف، بل من الجوع أيضًا".

يصعب على اللغة أن تفي بحق غزة في الوصف، فالكلمات التي نرددها، كـ"إبادة"، و"تطهير"، و"جريمة حرب"، تكاد تفقد معناها من فرْط تكرارها أمام هول ما يجري. وإن ما يضاعف المأساة حقًا هو ذلك الصمت العالمي المريب، أو تلك المواقف المرتبكة التي لا تلامس حتى أطراف الكارثة. والأسوأ من ذلك أن قوى كبرى، تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية، لا تكتفي بالتفرّج، بل تواصل مدّ آلة القتل (الإسرائيلية) بالسلاح والتأييد، لتُغرق الفلسطينيين في هولوكوست جديد، بلا ذاكرة، بلا مساءلة، بلا خجل.

. ان هذه المجازر الممتدة لثمانين عاماً ضد شعب يدافع عن استقلاله بداية لنهاية كيان محتل مارق فذلك من السنن الكونية فلكل ظالم نهاية تضاف في سجل التاريخ لامثالها من حقب الظلم والاضطهاد، والله غالب على امره.

واختم مقالي مع قصيدة الشاعرة والاديبة سعدية مفرح التي تفاعلت مع ما جرى ويجري في غزة كحال كل انسان يتحلى بأبسط مشاعر الإنسانية :

وآية غزة أنها كاشفة

وأن النجوم جميعاً عدا نجمها لا تضيء

وأن الشموس جميعا عًدا شمسها لا تفيء

وأن البلاد جميعا هدوء

وغايتها أنها عاصفة.

وآيةُ غزّةَ أنّ صداها صهيل

وأنّ الجراحَ نداءْ نبيل

وأنّ الدماءَ التي قد تسيل

بحضن أساها

ستفصل ما بين قاتلها والقتيل..

وآية غزة أن الضمير

وإنْ خانها

يظل يلوِّنُ وجهَ المساءْ

وأنّ القذائف إنْ أخطأت

ستعرف أن النهاية

حتما هي النصر والكبرياءْ

وآية غزة اننا رغم كل الحصار

لها

وكل الأموات لأحيائها

ستبقى.. طريقاً وحيداً

الى جنة وارفة.