أكاد أجزم بأن النادي الثقافي يعيش عصره الذهبي، بدءا من العام المنصرم، وسيكون أجمل هذا العام بما أوتي من إدارة (شبابية) استطاعت أن تحوّل «أمنيات» طرحت قبل نحو عام إلى واقع حقيقي، فلم نكن نتصور أن أكثر من 45 فعالية ستنفذ فعلا كما هي مرسومة على الورق، لكن بهمّة متقدة كان لهؤلاء المخلصين للشأن الثقافي ما أرادوا.
قبل عام كتبت عن حدث إعلان الفعاليات، وتمنيت أن يكون النادي هو القابض على فعاليات نزوى عاصمة الثقافة الإسلامية، ومع كل شهر يمضي على «نزوى» كنت أقتنع أكثر بفكرتي، لأن الفعاليات لم تخرج عن نمطية لا تليق باحتفالية كهذه، وكان بإمكان أي فريق رياضي في الولاية إقامة فعالية منها، وكما كتبت قبل عام، متوقعا ما يحدث، المنتدى الأدبي والنادي الثقافي، فعالياتهما أفضل كمّا ونوعا وحضورا.. وبتكلفة لا تقاس بما أنفق على مدار عام كامل، وربما سيأتي التكريم كما يليق (أيضا) بالمسميات الوظيفية والألقاب الوجيهة.
هناك تخصص أكاديمي ينبغي علينا تدريسه كضرورة ملحّة بعد ما عانته ثقافتنا من اجتهادات (ومزاجات) وضعت مصالحها قبل مصلحة عمان، والمسرح العماني أبرز شاهد، ومهرجانه أسوأ مثال، التخصص عنوانه الإدارة الثقافية، وهي مختلفة عن إدارة تعتمد على ربط مصار الترمة وحزم الخناجر والجلوس في الصفوف الأولى من حضور الفعاليات.
لا أعنى المثقف بالضرورة ليكون هو الأكفأ، لأن التجربة علمتنا أن المثقف أو الأكاديمي مبدع في مجاله، وحالما يرتدي البشت والخنجر، وزي المهمات الرسمية الخارجية، يجفل من كلمة ثقافة، وتصبح لديه حساسية ضد شقيقه المثقف الواقف خلف زجاج المكتب الأنيق.
وفي تجارب النادي الثقافي كان التعويل دائما على المثقفين لإدارة إدارية تمتد عامين (وفق القانون) لكن ظروفا ما كانت تمدد فترة (الراكد) أعواما أخرى، لأن (الشغف) بالنجاح تسقطه العملية الإدارية الروتينية، ومع قصور الرؤية وحدود النظر كانت قاعة النادي تفتقد الضوء أشهرا عديدة، دون أدنى تدخل لإعادة الروح بإدارة أخرى.. أفضل.
قبل أيام احتفت الإدارة الحالية بمرور سنة من الفعاليات الثقافية والفنية، وبتدشين موسم آخر يحمل نحو سبعين فعالية، بذات الطاقة البشرية، والموارد المالية، علما أن نسبة كبيرة من الموازنة تذهب للرواتب والخدمات.
إنمـــا هي «إدارة الثقافة» بالمعنى السليم والمخلص..
قالوا للمؤسسات المعنية بالآداب والفنون في البلاد تعالوا معنا شركاء في خدمة ثقافة عمان وفنونها.. وكانت أبواب صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد، الرئيس الفخري، المشرف على النادي، مفتوحة لكل هذه الأفكار ليدعمها، حيث لمس من هذه المجموعة العزيمة والإصرار والروح المخلصة المحبة للثقافة، لا مقحمة عليها بانتفاخات الادعاء، لا مديريات عامة ولا استراتيجيات خرافية ولا ادعاءات متعجرفة، عدد كبير من المؤسسات رفدتهم بفعاليات لن تكلف الإدارة شيئا، لكنها تضيف إلى ثقافة عمان أشياء..
نظرة إلى ما أقيم في نزوى على امتداد عام، وما حدث في النادي على امتداد ذلك العام، تعطينا رؤية واضحة أن الروح هي التي تصنع النجاح، لا الكلام.