محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com
لا يأتي "الأمير" الكويتي إلى عمان ضيفا، بل وفق التعبير العربي "صاحب دار"، وحينما يصل مسقط "الأمير صباح الأحمد" فإنه يصل مدينة تعرفه ويعرفها، شأن أمراء "الديرة" في علاقتهم مع "أرض النخيل والنارجيل"، وهم يقطفون ورد المحبة، من هامة الجبل الأخضر، واللبان من شموخ "سمحان" ووصولا إلى موجة زرقاء يدفعها البحر نحو سواحل الكويت، وتعطر ردهات سوق "المباركية" بهذا الأريج العماني النقي.
وللشيخ صباح علاقة خاصة بعمان، أعمق من أن تدرك، وأجمل من أن توصف، ولا يحتاج لدعوة ليزور عمان، وهي الوطن والجمال بالنسبة لسموه، لكن "ضرورات" نشرات الأخبار، وشروط الأوضاع السياسية جعلت هذه الزيارة مختلفة، شأن رجال السلام عندما يلتقون على طاولة واحدة، ينزعون فتيل الاشتعال من منطقة مضطربة، تتصاعد فيها أدخنة الحروب على حساب أدخنة المصانع، ويعلو غبار زوابع الصراعات على ما يمكن أن تقوم به المصالح المشتركة من منافع تعود على شعوب المنطقة بالخير العميم.
يلتقي رجلا السلام، صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وأخيه سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، في محطة أخرى تبدو فيها المنطقة بحاجة، أكثر من أي وقت، لضوء السلام لعله يبين ولو بصيصا في آخر نفق يمتد أكثر من احتمال جميع الأطراف على تحمل "ضيق التنفس" وغياب الرؤية، والتخبط في ظلام التطرف والحسابات الطارئة والقراءات المتعجلة.
يجيء الشيخ صباح إلى مسقط ليؤكد أن الحياد العماني "عين العقل"، وأن عمان ليست في جناح أحد، ولا تمد يدها إلى طرف لتقول إنها ضد الطرف الآخر، بل الرؤية العاقلة تقتضي أن لا تصنع عدوا سهمه بالقرب من خاصرتك، إنما هناك "كلمة سواء" ينبغي الإبقاء عليها مهما تصاعدت حدّة الألسن بالكلمات والتشنج.
مهما بدت الحيادية السياسية واضحة، وأن متطلبات الجوار تقتضي النظر بحكمة، وأن العمق الحضاري والتاريخي لا يمكن اجتزاؤه تحت أية ظروف.. إلا أن بعدنا الخليجي- العربي رهاننا الأكبر، حيث الإحساس بأن بيتنا الأكبر هو "الوطن العربي" مهما قست عليه الظروف وضعفت أحواله، كما أن كلمة "الإسلام" هي الأكثر شمولا من كل توصيفات مذهبية أو طائفية، فحيادنا أمام الجميع منطلقه إنساني، أولا، وفق مبادئ ديننا العظيم في تبيانه لعلاقات المسلمين مع بعضهم بعضا أو مع غيرهم، بعيدا عن الفرز (السياسي)، وعلاقتنا مع جيراننا في المنطقة علاقة قربى ودم، لا علاقة لغة فقط!
زعيما عمان والكويت أمامهما خارطة غارقة في التباسات الرؤية والتفكير، وما يصاحب ذلك من صراعات بارزة وخفية، قابلة للاشتعال أكثر إن لم يبادر رسل السلام إلى وضع "الحيادية" كراية بيضاء لا بد من ارتفاعها عالية، ليرى (البعض) عمان الأكبر من أن ترتمي في (حضن) أحد، والأعمق في تاريخها من أن (تتبع) أحدا، الواثقة من أن السلام الذي تؤمن به لن تنال منه سهام "الحملات الإعلامية"، وأن حيادها لصالح أمة العرب، وليس "خذلانا" لها.
فمرحبا بك أيها الشيخ الأمير، في وطن يؤمن برؤيتك، ويقاسمك طموحك أن ترى السلام الراية الجميلة والوحيدة التي ترفرف في منطقة فيها من يعبث بسلمها، ويشكك.. بالمقاصد!