حرفة تقاوم الزمن والاندثار.. التجبير العماني علاج فعال للكسور

بلادنا الاثنين ٢٠/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٠ ص
حرفة تقاوم الزمن والاندثار..
التجبير العماني علاج فعال للكسور

بركاء - حمود العامري

رغم تقدم الطب الحديث في مجال الكسور والعظام وظهور الكشف الشعاعي بمختلف أنواعه والتجبير وغيره من الأجهزة والأدوات والمواد الطبية التي تستخدم في عصرنا الحاضر لعلاج الكسور إلا أن الكثير من الناس يرون في التجبير العماني الحل الأمثل لعلاج الكسور.
والتجبير علاج قديم لجأ له الناس قبل أن يتوصلوا إلى العلاج الحديث، ولا يزال يمارس حتى يومنا هذا في عدد من ولايات السلطنة، وهو يعتمد على الدقة والمهارة في التعامل مع الكسور وتشخيصها وتجبيرها لتتعافى.
يعرف سعود بن خلف بن عبد الله الفليتي من سكان ولاية بركاء كأحد المجبرين للكسور وورث هذه المهارة عن والده الذي ورثها عن جده.
يقول الفليتي: بينما كان يحضر والدي في إحدى القوافل السلطانية في الثمانينيات سأله جلالة السلطان عن دراسته لهذه الحرفة فأجابه والدي بأنه تعلمها من والده، فقال له أنت طبيب، وقد أسماه مولاي صاحب الجلالة -أعزه الله- بالطبيب، وكنت أجلس مع والدي عندما يأتي إليه المصاب ويعالجه، وكان يعلمني الخطوات وكنت أساعده وأحضر له الأدوات وأقوم بالأعمال المكملة مثل خلط المادة المستخدمة في التجبير أو عمل الزفارة وغير ذلك، وكانت أول جبيرة وضعتها في العام 1991م.
ويعالج الطبيب سعود الناس من كافة محافظات السلطنة فقد ارتحل خلال هذه الفترة إلى جميع المحافظات بل وتكررت زياراته لبعضها أكثر من مرة ولم يقتصر علاجه للكسور على السلطنة بل تعدى ذلك ليصل إلى دول الخليج العربية، فبعد المقابلة التلفزيونية التي أجريت معه ووصل صيته إلى دول مختلفة جاءته العديد من الطلبات وكان يسعى جاهداً إلى أن يصل للجميع.
وعن أنواع الكسور ذكر بأن الكسور تختلف حسب موضع الإصابة، فقد يكون هناك كسر في العظم أو شغ أو فلت وهو الذي يكون في المفاصل، ويخضع المريض للتشخيص الأولي من خلال المسح المبدئي لمعرفة نوع ودرجة الكسر والعلاج المناسب له، فقد يكون كسرا خفيفاً، وبالتالي يتطلب تجبيرا سطحيا فقط وإن كان الكسر في عظمتين فيلزم عمل الزفارة، وهي عبارة عن أخشاب عذق النخل (العسق) تسوى وتربط بشكل متواز وتلف على موضع الكسر ويختلف طولها تبعا لدرجة الكسر والوضع الجسماني للمصاب، وأحياناً يأتي المريض متأخراً ويكون قد مر على الكسر أكثر من أسبوع وفي هذا النوع ينبغي وضع التمر الذي تم تسخينه بزيت العرش على مكان الإصابة لثلاثة أيام متتالية لإزالة تخثر الدم وبالتالي تخفيف آلام المريض ما يسهل تجبيره بعد ذلك، والمادة المستخدمة في التجبير هي العدس المطحون والمخلوط بزلال البيض المحلي.

تجبير اللاعبين
وقام الطبيب سعود بالتعامل مع مختلف الكسور وفي مختلف أنحاء جسم الإنسان بل وقام بتجبير عدد من اللاعبين الأجانب والمحليين في الأندية العمانية، وتعامل مع مختلف الأعمار فقد قام بتجبير طفل في سابع يوم من ولادته، كما قام بتجبير كبار السن، ووصلت إليه حالات مستعصية، فبعضهم لا يستطيع المشي والبعض الآخر لا يستطيع النوم من الألم.
ويضيف الفليتي: في إحدى المرات وصل مريض من الجبل الأخضر لا يستطيع النوم إلا بأدوية مهدئة وقام بتجبيره وعلاجه والحمد لله تمكن من النوم واستغنى عن تلك المهدئات كما عالج الكسور الناجمة عن حوادث السير.

فترة الجبيرة
يقول الفليتي: تظل الجبيرة من أسبوع إلى عشرين يوماً إلى أن تزول بنفسها فيصف المعالج وضع العظم المصاب بأنه منتفخ من أثر الألم، وبالتالي هذه الجبيرة تظل مكانها وتبقى ملتصقة بالجسم طالما الانتفاخ موجود وفور زواله تزول ولا تتطلب أي علاج بعد ذلك، وينصح مرضاه بشرب الماء المغلي به أعشاب (التفرتيس) وتناول الأغذية المناسبة الطازجة مثل السمن العماني والخبز الأسمر العماني والدجاج الطازج وعدم تناول الأسماك لثلاثة أيام على الأقل بعد عمل الجبيرة.
ويصف الفليتي هذه الحرفة بأنها عمل إنساني بحت، فالطرق التي يسلكها والمسافات التي يقطعها في سبيل علاج مريض وإزالة ألم مصاب فيه أجر عظيم، كما أن هذه الحرفة عرَّفته بالناس من مختلف محافظات السلطنة، وبالتالي فأينما ذهب فإن لديه معارف، ويجد متعة وراحة قد لا يجدها كثير من الناس فيقول أشعر بالسرور بعد أن يتعافى ذلك المريض.
ويجد الفليتي في ابنيه عبدالله وخلف المهارة والرغبة في تعلم الحرفة إلا أنهما ليسا بتلك الرغبة التي كانت لديه ولكنه يطمح ويتمنى أن تبقى هذه الحرفة لدى أبنائه وأحفاده ويأمل الطبيب سعود أن يجد مستثمرا يبني له عيادة متكاملة كي يمارس فيها هذه الحرفة ويعالج المصابين.