محمد محمود عثمان
تصاعدت أزمة تراجع أسعار النفط في العامين الأخيرين بشكل كبير، وأصابت جميع أسواق المال في المنطقة العربية بخسائر فادحة، فهل يقود ذلك الاقتصاديات العربية إلى ركود يستمر سنوات؟ بعد أن خفض الجميع وبدون استثناء موازنة العام 2016، على الرغم من أن الدول المستوردة للنفط تستفيد بشكل عام من أي تراجع في الأسعار من خلال خفض تكلفة الاستيراد للنفط ومشتقاته التي تستخدم أساسا في مدخلات الإنتاج وبالتالي فإن بعض الدول لديها فرصة ذهبية لخفض العجز في موازنتها، في حين أن المنتجين يمكن أن يقدموا منتجاتهم بأسعار أقل، ومن ثم تخفيف الضغوط التضخمية، ولكن التراجع الحاد في أسعار النفط يزيد بالتأكيد من مخاوف توقف دول الخليج الغنية عن تقديم الدعم المادي للدول العربية الأخرى، التي سوف تتأثر أيضا من تراجع التحويلات المالية للعمال الذين يعملون في الدول النفطية، ومن ثم فإن شبح الركود والتراجع في النمو الاقتصادي للمنطقة العربية بشكل عام، قد يخيم على معظم إن لم يكن كل الاقتصاديات العربية، ودول الخليج بشكل خاص والتي تمثل إيراداتها النفطية أهم مصدر للسيولة في أسواقها، وسوف يؤدي على المدى المتوسط إلى آثار ملموسة على أداء المصارف العربية، وإن كان ذلك يختلف من دولة إلى أخرى، وتبعا للمدى الذي يعتمد فيها اقتصاد الدولة على تحصيل إيراداته من العوائد النفطية، وأيضا هل النفط هو قاطرة الاقتصاد الأساسية لديها أم لا؟، لأن الدولة التي لم تستطع حتى هذه اللحظة تنويع مصادر الدخل لديها سوف تتأثر بدرجة كبيرة بتذبذب أسعار النفط مما يربك كافة حساباتها المستقبلية ويدخل اقتصادها في طور العجز والركود، وسوف ينجو من ذلك الاقتصاد الذي نجح في الاحتفاظ باحتياطات نقدية فائضة من الإيرادات المرتفعة من العوائد النفطية الناتجة من ارتفاع أسعار النفط في السنوات الفائتة، ولكن إذا تطلعنا إلى نظرة تفاؤلية في العام الجاري حول توقع تحسن أسعار النفط العالمية ولو نسبيا بعد أن هبط إلى أقل من 25 دولارا للبرميل، ووجود توجهات ولو ضئيلة من بعض المنتجين في منظمة أوبك إلى خفض في الإنتاج مع تباطؤ الإمدادات وخروج منتجين من السوق، كذلك مواصلة تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي والأوروبي، ومن ثم الاقتصاديات الناشئة مثل الصين والهند، فضلا عن تراجع الاستثمار العالمي في صناعة النفط، فإن ذلك سوف يكون له مردود إيجابي على الجميع، وخاصة إذا صدقت توقعات دراسة حديثة لبنك “سوسيتي جنرال” تشير إلى عودة التوازن بين عوامل العرض والطلب مع النصف الأول من العام الجاري، لكي يرتفع سعر النفط إلى 50 دولارا لخام برنت، ثم إلى 55 دولارا للبرميل في الربع الثالث، و60 دولارا في الربع الأخير، إلى جانب أن تحسن قيمة الدولار الذي ترتبط به العملات الخليجية سيؤدي إلى ارتفاعها أيضا، بالتالي سوف ترتفع قيمة إيراداتها الفعلية من النفط بنفس النسبة مما ينعكس إيجابا على الدخل في هذه الدول، وسوف يساعد على ذلك أن معظم الدول العربية بما في ذلك دول الخليج تبنت نهجا يحافظ على الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية والخدمات، فيما تركزت بنود ترشيد النفقات على برامج الدعم والنفقات الاستهلاكية وذلك يفرض تحديا على المصارف العربية وخاصة الخليجية، لكن يظل تحدي انخفاض السيولة في الأسواق قائما وله آثاره التي تتمثل في تراجع نسب نمو الودائع وحجم السيولة المتوفرة، ولا سيما أن صندوق النقد الدولي قد أشار في تقرير له صدر في شهر أكتوبر الفائت أن دول الخليج وعلى رأسها السعودية ستستهلك احتياطاتها النقدية خلال 5 سنوات إذا استقرت أسعار النفط عند مستوى 50 دولارا للبرميل، لكن مع تدهورها إلى أقل من 30 دولارا أو أكثر فلا بد أنها ستمر بمرحلة عصيبة خلال المرحلة القليلة المقبلة حيث إن دول المنطقة خسرت ما يقدر بنحو 360 بليون دولار من عائداتها أو أكثر حتى الآن، ومما يزيد الأمور تعقيدا أن تراجع أسعار النفط تزامن مع الفوضى والاضطرابات والحروب وعدم الاستقرار في كثير من الدول وفي الأسواق المالية العالمية مما يلقي بضغوط إضافية على اقتصاديات دول المنطقة.