تطوير الإيرادات الضريبية تفرضها المرحلة الراهنة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/فبراير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
تطوير الإيرادات الضريبية تفرضها المرحلة الراهنة

علي بن راشد المطاعني
ali.matani2@gmail.com

لم تغفل الموازنة العامة للدولة عن تنشيط الإيرادات غير النفطية ضمن الخطوات الهادفة إلى زيادة مساهمة القطاعات غير النفطية لخزينة الدولة وتنمية الموارد الأخرى التي تضمن تدفقات نقدية مستمرة، لما تشكله مثل هذه الموارد من أهمية في المرحلة المقبلة في ظل تراجع الإيرادات النفطية وأثرها على اقتصاديات الدول المعتمدة على النفط على مستوى العالم، فالإيرادات غير النفطية في الموازنة العامة للدولة تبلغ 2.59 بليون ريال، تشكل 30 في المئة من إجمالي الإيرادات، لذا من الأهمية بمكان تنمية هذا الجانب في ظل الفرص المتوفرة، فالدعوة إلى إيجاد بدائل إيرادات غير نفطية في هذه المرحلة، وفي ظل محدودية أو عدم جاهزية القطاعات غير النفطية الأخرى، فإن مسألة تنمية الإيرادات الضريبية تفرض نفسها أكثر من أي وقت مضى، فالدولة لم تفرض أي رسوم قبل هذه الفترة، لوجود بدائل تسد احتياجاتها المالية، ولم تجد نفسها مضطرة لفرض ضرائب مباشرة، لكن الجميع يتفق على ضرورات المرحلة الملحة وأهمية تلجيم تطلعات الذات، ثم تضافر الجهود ورد الجميل بالأجمل منه شكرا وحمدا.

فعندما تطل من خلف الحجب مثل هذه الأزمات فبالمنطق وعبر أبجديات الواقعية لا بد من إعادة هيكلة التوجهات والأولويات المالية والاقتصادية بالدول وبالقدر الذي يمكن المجتمع على التكيف مع المتغيرات المتلاحقة والمتسارعة في العالم هذا من جانب، وإيجاد بدائل ثابتة لخزينة الدولة تسهم في زيادة التدفقات النقدية التي يعاد ضخها في بنود الموازنة للنفقات الجارية والإنمائية من جانب آخر، ناهيك عن تقبل الفرد والمجتمع للإجراءات في مثل هذه الأزمات يكون أكثر تقديرا للظروف التي تمر بها الدولة عن غيرها من أوقات الوفرة مثلا، الأمر الذي يملي على وزارة المالية انتهاج هذا النهج بشكل متدرج وبعيدا عن المساس باحتياجات المواطن الأساسية.

الأمانة تقتضي القول إنه وفي العامين الفائتين لم تتأثر القطاعات الأساسية والخدمية بهذه الأزمة وهذا ما يجب تقديره والثناء عليه والإشادة به.
وبلا شك أن تنمية الإيرادات غير النفطية ظل الشغل الشاغل للدولة منذ مطلع السبعينيات عبر العديد من الجوانب، ووفق تطور الاقتصاد الوطني والقطاع الخاص وكذلك المجتمع آنذاك، وإيمانا من الدولة بأن لكل مرحلة ظروفها، وعندما تقتضي الحاجة إلى تنمية هذه الجوانب فستفعل دون ريب، ولأنها ماضية في هذا الطريق لجات كأمر عادي لبعض الإجراءات الضريبية التي أملاها هذا الواقع وهكذا إجراءات تحدث في الكثير من الدول كأمر حتمي ولا مناص منه ولا مهرب منه إلا إليه.
من الجوانب التي تضمنتها الموازنة العامة للدولة تنشيط الإيرادات غير النفطية، ومنها تعديل قانون ضريبة الدخل ومن المتوقع أن يصدر خلال العام الجاري رغم أن الوزارة لم توضح بعد إثر تطبيق هذا القانون في رفد الموازنة العامة للدولة. كما أن تطبيق الضريبة على بعض السلع مثل التبغ والكحول بالتزامن مع تطبيقها بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية له مكاسب لا يمكن إغفالها عبر عدة محاور منها الحد من التمادي في استهلاكها، لأضرارها الصحية، وكذلك زيادة الإيرادات المالية لخزينة الدولة.
لعل تعديل الرسوم على القوى العاملة الوافدة وتراخيص القوى العاملة في السلطنة من الجوانب التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار ورفعها بما يتوافق مع تكلفتها على الدولة، وهو أمر له مردود إيجابي واضح على برامج التعمين مما يتيح المجال واسعا أمام الكوادر الوطنية للانخراط في سوق العمل، كما أن هذه الإجراءات تلهم القطاع الخاص لتفضيل القوى العاملة الوطنية على غيرها. وهناك جانب له مردود إيجابي أيضا وهو رفع كلفة استقدام العمال الأجانب إلى مستويات تقارب رسوم بعض الدول الخليجية، ورفع تعرفة الرسوم التي تقدمها شرطة عُمان السلطانية في هذا المجال. مع إتاحة المزيد من المرونة في بعض التصاريح والطلبات بما يتوافق مع الإجراءات الجديدة، فهناك بعض الخدمات شبه مجانية تقدم للمقيمين يتعين إعادة النظر فيها إذ هي الأقل مقارنة بدول أخرى في المنطقة.
كما أن ‏مراجعة الإعفاءات الضريبية على العديد من المصانع والشركات الإنتاجية بات أمرا ملحا باعتبارها قد استفادت منها لسنوات طوال في الماضي الجميل، وحققت من خلالها أرباحا لا يستهان، وقد آن الأوان لتدفع هذه الشركات ضريبة الوطن بعد أن احتاج إليها في هذه الظروف الاستثنائية الطارئة. ومن حسن الطالع أن وزارة المالية تقدم هذه الحزم من الرسوم المستقبلية مقدما، للعديد من الاعتبارات أولها إدراكا منها لأهمية إعلام الأوساط المحلية والاقتصادية بهذه التوجهات، والتزاما منها بالشفافية واجبة الإتباع في هكذا مواقف مفصلية، إذ هي تؤمن بأنه ومن الأهمية بمكان اطلاع شرائح المجتمع كافة بالتطورات المقبلة للتكيف معها، بدلا أن تكون مفاجئة لهم.
علينا أن نتفهم هذه الإجراءات والضرورات التي أملتها في هذه المرحلة ونحض عليها لما فيه خير بلادنا إذ نحن نعلم علم اليقين بأن التزاماتها كثيرة ومواردها المتاحة الآن قليلة، وفي ذات الوقت فنحن لا نخفي تطلعنا المشروع لتجويد الخدمات وتطويرها من جانب آخر، وهذا لا يتأتى إلا من خلال تقديم بعض الخدمات بتكلفتها الحقيقية بغير زيادة أو نقصان، ومن ثم فإن مساهمة الشرائح المستفيدة من دعم الدولة في السنوات الفائتة في تحمل جزء من الاستحقاقات الوطنية يغدو بالقطع فرض عين.