كيف أكتب رواية؟!

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/يناير/٢٠١٧ ٠٤:٠٥ ص
كيف أكتب رواية؟!

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

لسببين.. شدّني سؤال طفلة خلال جلسة حاضرت فيها عن الكتابة: كيف أكتب رواية؟
أولهما: أن الطفلة ترغب في كتابة رواية وهي ما زالت تتعثر في كتابة أول جملة لها خارج المنهج المدرسي، وثانيهما: الإغراء الذي يمثله هذا الجنس الأدبي لكثيرين، وقد أصبحت كتابة الرواية مشاعة أمام حتى من أولئك الذين هم خارج الجنس الكتابي بكامله، فكيف بها أمام الشعراء وكتاب القصة والأكاديميين والأطباء وغيرهم من أصحاب المهن المشتغلين على الكتابة، ولديهم فائض من الحكايات، خاصة العاملين في الحقل الطبي النفسي، حين تصبح فضفضة المريض مناخًا استثنائيًا أمام سطوة الكتابة، ليس لخدش العلاقة بين الطرفين، بل لجينات التجربة وهي تتكدس فوق فضولها الحكايات.
الرغبة في كتابة رواية تجتاح كثر، لكني لم أتوقعها من طفلة ربما لم تقرأ رواية بعد، حتى تعرف ماهيتها، فكيف بكتابتها، لكن الذيوع والانتشار للروايات يبدو على أنه طموح عالٍ يمكن الوصول إليه لكل مشتغل بالكتابة، فيصبح التاج الأعلى، حتى للشعراء ونحن نشهد كل عام من يطل علينا روائيًا بعد اشتغال بالقصيدة يمتد عمرًا أحيانًا، فهناك اللغة والتجربة متوافرتان بكثافة لدى كبار الشعراء، وتبقى الحكاية متاحة طالما أن القارئ لا يحاكم شاعره فنيًا بقدر ما يتلذذ بشاعريته وهي تبحر في عباب اللغة جمالًا وحيوية.
ليست كل التجارب في هذا الحقل ناجحة لتزهر جميعها كما يليق بكتابة رواية، وذلك يعني أن (بعض) التجارب فاشلة، بما يتعلق بفنيات كتابة الرواية على وجه التحديد.. لكن، ويا للمغالطة: هل يوجد تقنين واضح لكيفية كتابة رواية مع تداخل الأجناس الأدبية؟ ألا يعد أي مشروع روائي هو (تجريب كتابي) لشكل أدبي يمكن القول أن هذا تطوير له، أو خروج به من الدوائر الضيقة؟!
تلك إشكالات تعاني منها الأجناس الأدبية وهي تدخل عصر (الانفتاح) على أشكال متعددة من الحياة، يصبح فيها التجريب قدرًا متاحًا أمام الجميع، فالعالم الرقمي به متسع على النشر، حيث لا ضرورة لاعتراف دور النشر بالعمل (المكتوب)، حيث يمكن إذاعة صيته بالنشر الإلكتروني، ويمكن بقليل من المال انتشاره ورقيًا، طالما أن المؤلف قادر أن يدفع كما يطلب منه، وإن كان غير قادر على أن يكتب.. كما ينبغي عليه!
الرواية بنيان حياة، الأحداث والرؤية واللغة ومسار الشخصيات المتدفقة تكتب مع بعضها البعض الحكاية، وليس سهلًا أن يكتبها من يصعب عليه بناء جملة دون خمسة أخطاء إملائية أو نحوية على الأقل، إنما يفتح الأبواب ذلك (المصحح) الكائن في دار نشر غير معنية إلا بالتربح من كاتب سهل عليه (الدفع) كما سهلت عليه (الكتابة).
يثير إعجابي مثقف يفكر أن يطبع كتابه لكنه يراه بحاجة إلى المزيد من الاشتغال عليه، تحترم فيه رهبته من النشر، وهو المتحقق فكريًا، ويحرج محدثه إذ يجتهد على مشروعه سنة بعد أخرى، بينما "الناشئة" يلهثون لوضع اسمهم على كتاب، سيحسب عليهم، وليس لهم.
جميل أن نكون طموحين، فنكتب رواية، لكن أي فهم لهذه المفردة علينا أن نخشى عواقبه إن أسأنا تقديره!.. يقلقني، شخصيًا، هذا الشعور.