كيف نُطعِم العالم؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/ديسمبر/٢٠١٦ ٠٤:١٥ ص
كيف نُطعِم العالم؟

بيورن لومبورج

منذ قديم الأزل، ظَل الجوع يقوض البشرية. وكل المجتمعات الكبرى تقريبا تشكلت بفِعل مجاعة، ويشير أحد التقديرات إلى أن الصين عانت من الجفاف أو المجاعات الناجمة عن الفيضانات في واحد من أقاليمها على الأقل كل سنة تقريبا من العام 108 قبل الميلاد إلى العام 1911. ومع ذلك فإن النضال ضد الجوع معركة تستطيع البشرية أن تخرج منها منتصرة في النهاية.

في الربع الأخير من القرن العشرين أنتج البشر كميات سنوية من الحبوب أكبر كثيراً مقارنة بأي فترة مماثلة سابقة، وفي عامنا هذا سيحصد البشر كميات من الحبوب أكبر من أي وقت مضى في التاريخ. منذ العام 1992، انخفض عدد الجوعى في مختلف أنحاء العالم بما يزيد على 200 مليون، حتى برغم أن عدد سكان العالم ارتفع بما يقرب من البليونين.

ولكن تظل تحديات هائلة قائمة. يشكل الطعام المغذي المتوفر بأسعار معقولة واحدة من أهم أولويات الناس في كل مكان، ولا يزال واحد من كل تسعة من البشر لا يحصل على القدر الكافي من الغذاء لجعله صحيح البدن. ولأن عدد سكان العالم يبلغ اليوم 7.3 بليون نسمة ومن المتوقع أن يصل إلى 8.5 بليون نسمة بحلول العام 2030 ونحو 9.7 بليون نسمة في العام 2050، فسوف يزداد الطلب على الطعام وفقا لذلك. وفضلا عن تزايد الأفواه التي يجب إطعامها، سوف تشمل الضغوط المفروضة على الإمدادات الغذائية الصراعات، والتقلبات الاقتصادية، وأحداث الطقس المتطرفة، وتغير المناخ.
كانت الزيادات التي طرأت على الإنتاجية الزراعية، بسبب تحسين البذور، والأسمدة والمبيدات الجديدة، وتحسن القدرة على الوصول إلى الائتمان، والتقدم التكنولوجي، من المحركات الأساسية في الحد من الجوع. ففي الفترة من العام 1930 إلى العام 2000، تضاعف الإنتاج الزراعي في الولايات المتحدة إلى أربعة أمثاله، مع تفوق نمو الإنتاجية على نظيره في التصنيع. وبدأت الدول النامية تتقاسم هذه المكاسب مع بقية العالَم: ففي العام 1960، كان استهلاك الدول النامية من الأسمدة على مستوى العالم يكاد لا يُذكَر، وبحلول العام 2000 كان استهلاكها من الأسمدة يتجاوز استهلاك الدول الصناعية.
وقد وجد البنك الدولي أن نمو الإنتاجية الزراعية ربما يكون أكثر فعالية بنحو أربع مرات في الحد من الفقر من النمو في قطاعات أخرى. كيف يمكننا إذن مواكبة هذا التقدم؟
يشكل الاستثمار في البحث والتطوير أهمية بالغة. إذ يشير بحث أجري لصالح مركز إجماع كوبنهاجن، الذي أتولى إدارته، إلى أن استثمار 88 بليون دولار إضافية في البحث والتطوير في المجالات الزراعية على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة من شأنه أن يزيد غلة المحاصيل بنحو 0.4 نقطة مئوية إضافية كل عام، وهذا كفيل بإنقاذ 79 مليون إنسان من الجوع ومنع خمس ملايين حالة من سوء التغذية بين الأطفال. وتعادل الفوائد المترتبة على تحقيق هذه الأهداف ما يقرب من 3 تريليون دولار من الصالح الاجتماعي، مما يعني ضمنا عائدات هائلة لا تقل عن 34 دولارا لكل دولار يجري إنفاقه.
وتلعب الاكتشافات العلمية أيضا دورا أساسيا في مكافحة تحديات غذائية بعينها، مثل نقص فيتامين ألف، وهو السبب الرئيسي للعمى في مرحلة الطفولة والذي يمكن الوقاية منه. وقد حصل روبرت موانجا على جائزة الغذاء العالمي هذا العام بسبب عمله الملهم الذي أسفر عن الاستعاضة عن البطاطا البيضاء (التي تحتوي على مقدار ضئيل من فيتامين ألف) ببديل غني بفيتامين ألف في النظام الغذائي للفقراء في الريف في أوغندا.
ويمثل العمل طريقة أخرى لزيادة الإنتاجية الزراعية. فعندما درس الباحثون من مركز إجماع كوبنهاجن الاستجابات لظاهرة الانحباس الحراري الكوكبي في بنجلاديش، وجدوا أن زيادة إنتاجية العمل الزراعي «هي السبيل الوحيد لزيادة قدرة بنجلاديش على الصمود في مواجهة تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية الطويلة الأمد». والواقع أن استثمار نحو 9000 دولار لكل عامل على مدى عشرين عاما من الممكن أن يعزز الإنتاجية الزراعية بنحو 10 %.
تُعَد بنجلاديش حالة مفيدة للغاية، لأنها عُرضة للفيضانات وغير ذلك من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، هذا فضلا عن تخلف إنتاجيتها الزراعية عن غيرها من الدول النامية والدول ذات الدخل المتوسط. وليس من المستغرب أن يسعى مكتب رئيسة وزراء بنجلاديش جاهدا لاحتلال مركز الصدارة في الإبداع العالمي، من خلال إقامة ودعم مختبر الإبداع الزراعي الذي يتبادل أفضل الممارسات والأفكار.
وقد عمل مركز إجماع كوبنهاجن مع أكبر منظمة غير حكومية في العالم، براك (BRAC)، للتعرف على رغبات الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية في بنجلاديش، بما في ذلك من يعيشون في «فقر مدقع» والذين تعمل معهم براك بشكل وثيق. فهؤلاء العمال، وربات البيوت، وآخرون، والذين يعيش بعضهم على ما يعادل ستين أو سبعين سنتا من الدولار أو أقل يوميا، نادرا ما يحظوا بالفرصة للجلوس على طاولة مناقشة السياسات.
عبر تسعة منتديات ريفية في مناطق نائية من البلاد، تحدث المشاركون بأغلبية ساحقة بصوت واحد، فنادوا بنفس الأولوية: زيادة الإنتاجية الزراعية. قال أحد السكان المحليين من شاندبارا في إقليم رانجبور، مستخدما المصطلح البنجالي الذي يصف ظاهرة الجوع الموسمية الدورية السنوية: «يعلم الجميع أن رانجبور تعاني من مشكلة (المونجا)، فنحن لا نستطيع أن نطعم أهلنا مرتين في اليوم ــ ونحن في احتياج إلى زيادة إنتاجيتنا الزراعية».
كما عَرَض قروي من موكيماباد نفس الرؤية لبنجلاديش: «نحن في احتياج إلى محاصيل وبذور ليست عُرضة للملوحة والفيضانات حتى لا نموت بسبب نقص الغذاء».
إن البشرية قادرة على تحقيق النصر في معركتها ضد الجوع. وقد تحقق تقدم كبير بالفعل، ولكن العالم يحتاج إلى المزيد من مشاريع البحث والتطوير الزراعية وزيادة الإنتاجية. وعلى حد تعبير قروي ريفي من دوخولا بالقرب من نهر براهمابوترا في منطقة شمال بنجلاديش النائية فإن «بقاءنا يعتمد على ذلك». ومن المؤكد أننا نُحسن صُنعا بالإصغاء إليه.

مدير مركز إجماع كوبنهاجن وأستاذ زائر في كلية كوبنهاجن لإدارة الأعمال