النمو الشامل يعتمد على المدن

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٨/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
النمو الشامل يعتمد على المدن

إيمي ليو

نعيش زمناً عصيباً هذه الأيام، حيث يزداد السخط الشعبي على الوضع الراهن كل يوم. وتختلف أسباب الاستياء الشعبي من بلد إلى آخر، لكن القاسم المشترك في كل مكان هو الشعور المتزايد بأن الاقتصاد يُدار لصالح القلة.
في الواقع، تصب مكاسب النمو الاقتصادي على نحو متزايد في جيوب أصحاب الدخل المرتفع. في بلدان منظمة التعاون والتنمية، يكسب 10 في المائة من الناس حوالي عشر مرات أكثر من 10 % من الأشخاص الموجودين في أسفل الهرم، وما يصل إلى سبع مرات أكثر مما كان عليه الحال قبل 30 عاماً. في العام 2012، من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي الثماني عشرة ذات بيانات قابلة للمقارنة، كسب 10 % من السكان في القمة نحو 50 % من إجمالي ثروات الأسر، في حين كسبت 40 % من الفئات السفلى 3 % فقط.
ندفع جميعاً الثمن عندما يصل التفاوت آفاقاً جديدة. في مجموعة من دول منظمة التعاون الاقتصادي، بلغ ارتفاع عدم المساواة ما بين 6 و10 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي بين العامين 1990 و2010. ويعاني النمو الاقتصادي دائماً عندما يكون أشد الناس فقراً غير قادرين على قضاء مآربهم، وفي وقت يسعى فيه صناع القرار والقادة السياسيون لجعل النمو الاقتصادي أكثر شمولاً، تلعب المدن دوراً مركزياً لإيجاد حلول. وقد أظهر مسح أجري حول بلدان منظمة التعاون والتنمية أن نصف مجموع السكان يعيشون في المدن التي تبلغ كثافتها السكانية أكثر من 000 500 نسمة، وأن المدن تمثل 60 % من النمو الإجمالي للعمالة والناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2001.
ومع ذلك، لم يكن هذا النمو شاملاً، فعدم المساواة في الدخل في المدن أعلى من المعدل الوطني في كافة دول منظمة التعاون الاقتصادي التي شملتها الدراسة، باستثناء كندا. في الولايات المتحدة، أضافت أغلب كبريات المناطق الحضرية فرص العمل وزادت من الناتج الاقتصادي في السنوات الخمس التالية بعد الكساد العظيم، ولكن 20 منطقة حضرية فقط هي التي شهدت نمو متوسط الأجور، ولم تجعل المكاسب الاقتصادية في السنوات الأخيرة الموظف أو العامل العادي أفضل حالاً، ورغم جني الأثرياء ثمار النمو، فقد أصبح الفقر أكثر انتشاراً. وفقاً لبحث أجراه معهد بروكينجز، تضاعف عدد الأحياء الفقيرة للغاية في الولايات المتحدة منذ العام 2000، ولهذا الأمر تكاليف بعيدة المدى، فقد تبين أن النشأة في حي فقير تحدُّ من طموحات المرء بشكل كبير، حتى عندما تكون الأرباح ثابتة. وفي المناطق الحضرية مثل لندن وبالتيمور، بخصوص متوسط العمر المتوقع، تتسع الهوة بين الأحياء الفقيرة والغنية، حيث تبلغ فقط على بعد بضعة أميال أكثر من 20 عاماً من الفرق!
وفي لقاء بروكينجز الأخير، ناقش الأمين العام للمنظمة أنجيل جوريا أربعة مجالات رئيسية حيث يمكن للمدن أن تعمل على الحد من عدم المساواة، وسيتم تطوير هذه الأفكار في اجتماع باريس في 21 نوفمبر، الذي تستضيفه عمدة بلدية باريس آن هيدالجو.

أولاً، يجب أن تجعل المدن النظم التعليمية أكثر شمولاً من خلال الاستثمار في المدارس المهنية، حيث يمكن للناس من جميع الأعمار والخلفيات تعلم مهارات قابلة للتسويق. وعلى سبيل المثال، في أتلانتا، أطلقت بلدية قاسم ريد شراكة بين مقاولة محلية ووكالة تنمية القوى العاملة في المدينة، ومدرسة الترميز بهدف تزويد الشباب بشبكات الإرشاد، والتي من خلالها يمكن تطوير الثقافة المالية ومهارات التفكير النقدي، وأيضاً كيفية كتابة التعليمات البرمجية.
ثانياً، ينبغي على المدن ضمان فرص التوظيف والريادة في الأعمال المتاحة لجميع الناس، بما في ذلك النساء والشباب، والمهاجرين، والسكان المحرومين. في ستوكهولم، التي استقبلت 8000 من طالبي اللجوء بين العام 2015 وربيع العام 2016، تعمل العمدة كارين واكارد على تطوير نوع جديد من المدرسة للبالغين. كجزء من إستراتيجية التكامل الشامل، أنشأت مدارس جديدة لتعليم اللغة والثقافة، والكفاءات الفنية اللازمة لولوج سوق العمل في ستوكهولم. وفي سيول، تعمل العمدة بارك وون سون على تسوية وضعية المؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم بتوفير الدعم المالي الموجه والقواعد والتعاقد، وتنظيم العمل الرسمي.
ثالثاً، على المدن ضمان الجودة العالية للسكن بأسعار معقولة في أحياء آمنة وصحية. وفي باريس، تسمح خطة "حق الرفض الأول" للعمدة هيدالجو بالحصول على مساكن في أحياء محددة، بحيث يمكن أن توفرها للسكان الأكثر فقراً الذين يواجهون خطر التشرد.

وأخيراً، ينبغي على المدن توفير البنية الأساسية العامة والخدمات -بما في ذلك وسائل النقل العام والمياه والطاقة، وإدارة النفايات- حتى تصبح متاحة للجميع بسهولة. في نيويورك، تتمثل مبادرة دي بلاسيو في توفير بطاقات هوية مجانية تصدرها الحكومة لجميع المقيمين -بما في ذلك الذين لا مأوى لهم، والمهاجرين غير الشرعيين، والمدانين السابقين- لتمكين الفئات المهمشة من الاستفادة من موارد المدينة.

وتساعد جهود النمو الشامل لمبادرة المدن ومؤتمر الأمم المتحدة في مكافحة ارتفاع عدم المساواة في كل مدينة على حدة، وكلما زادت قدرتنا على الاستفادة من حلول محلية لمشاكل عالمية مشتركة، كلما حققنا مزيداً من التقدم.

نائبة الرئيس في معهد بروكينجز ومديرة برنامج السياسة متروبوليتان.