عدن - إبراهيم مجاهد
ضوضاء وجلبة قادمة من وسط باحة مدرسة الفلاح جنوب أمانة العاصمة صنعاء، دفعت مواطنين لاقتحام سور المدرسة، قبل أن يفاجؤوا بالمدرس «ح. ل»، وهو يعدو من فصل دراسي إلى آخر، كالمجنون يغلق أبوابها بعد أن طرد التلاميذ، فيما المعلمون وإدارة المدرسة مسمرين في أماكنهم لا يملكون حيلة لمنعه وهو يصرخ في وجوه الجميع: «أغلقوا الدراسة.. أولادي غدا في الشارع». المعلم «ح. ل» يسكن منزلا بالإيجار وصاحب المنزل منحه مهلة بضعة أيام لدفع ولو قسط من إيجار البيت أو مغادرتها.. وما أن يبدأ الموظف الحكومي بالتفكير في صعوبة توفير فرص العمل في بلد تطحنه الأزمات والحروب منذ الانقلاب على السلطة واندلاع المعارك في جبهات المدن، حتى يُفاجأ باتهامه بالعمالة وعدم الوطنية لعدم التزامه بالدوام.. وهنا، يتساءل نبيل البكيري: عن أي دوام والتزام بالعمل ووطنية يتحدث عنها هؤلاء وأولادك يتضورون جوعاً؟
يحذر البكيري من كارثة مرتقبة في ظل سياسة التجويع والقمع التي تنتهجها «سلطة الأمر الواقع» بصنعاء منذ أن نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن بقرار من رئيس الجمهورية اليمنية عبد ربه منصور هادي بضوء أخضر دولي جراء عبث «سلطة الأمر الواقع» بالخزينة العامة والاحتياطي الأجنبي. الأمر الذي قضى تماماً على ما كانت تسمى الهدنة الاقتصادية.
في مدرسة «حورية بنت الحارث» بالعاصمة دخل عدد من المدرسين وكتبوا على «سبورات» قاعة الدراسة عبارة موحدة «أغلقوا المدارس.. أطفالنا يموتون جوعاً».. كما امتنع المدرسون عن التدريس في مدارس «سمية، السلال، الصفاء، أحمد فرج، النور الباسم، زيد».
فـ»المدارس الحكومية أغلقت أبوابها في العاصمة صنعاء والتلاميذ ضحية سياسة هوجاء تعتبر أن عدم الالتزام بالدوام إخلالا بالوطنية، والمطالبة بالحقوق عمالة وخيانة».
يقول محمد سعيد -مدرس-: الوطنية شيء والحقوق شيء، خاصة أنها لم تعد حقوقاً ثانوية بل تعدتها إلى المساس بمقومات الحياة. ويضيف سمير القادري: تهديد الموظف براتبه يعني ضغط الزناد ووضع فوهة المسدس على رأسك، إنه شروع بالقتل العمد. فيما تقول سلوى العماري: ليس أمام الموظف الحكومي سوى البحث عن عمل بديل مؤقتا لإنقاذ حياة أسرته إن وجد فرصة عمل ومواكبة الاحتجاجات للمطالبة بحقه في الراتب.
مديرو عدد من مدارس العاصمة صنعاء ومدير مكتب التربية التقوا الأسبوع الفائت برئيس مجلس النواب، ونائب رئيس المجلس السياسي بصنعاء وأبلغوهم أنه في حال لم يصرف مرتب ونصف للمدرسين من أصل مرتب شهرين ونصف، يوم الأربعاء المقبل، فإن مدارس أمانة العاصمة صنعاء ستُغلق أبوابها في وجه الطلاب السبت المقبل كون المدرسين باتوا لا يجدون حتى أجور مواصلات توصلهم للمدارس ولا مبلغ مالي يوفر وجبة الإفطار في المدرسة..
في وقت يعاني المجتمع اليمني من انعدام جميع مصادر الدخل وانتشار البطالة ومرافقة الجوع للباحثين عن العمل، لم يتبق مصدر يعتمد عليه المواطن سوى مصادر دخل موظفي الدولة فقط، التي بقيت لتوجد حركة طفيفة وتكافلاً إلى حد بعيد على اعتبار أن المجتمع اليمني مجتمع تكافلي.. تفاجأ الموظفون بعدم صرف الرواتب وصبروا إلى حد ما وما زالوا صابرين، ولكن للصبر حدود، وفقاً لأحد الموظفين في صنعاء، خصوصاً بعدما تفاءلوا بنقل البنك المركزي وانتشاله من صنعاء إثر كارثة استنزاف الاحتياطي.
يقول الخبير الاقتصادي عبده زيد المقرمي إن المواطنين تفاءلوا بقرار نقل البنك وتحملوا المعاناة إلى هذه اللحظات التي توشك على النفاد بسبب تراكم التزاماتهم.
لكن، تفاقم الوضع المعيشي وتوسعت الكارثة الإنسانية وتضاعفت نسبة الفقر حتى وصلت النسبة إلى أكثر من 24 مليون نسمة من عدد السكان البالغ 27 مليوناً، مما جعل قرابة 85% من السكان يحتاجون إلى إغاثة طارئة بحسب تقارير المنظمات الدولية، كما انتشرت المجاعة وأمراضها، ولم يقابل ذلك أعمال إغاثية ملموسة لأنها عشوائية ليس في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين فقط ولكن بجميع المحافظات.