(خطة كيري) وقاطرة السلام في اليمن !!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٧/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
(خطة كيري) وقاطرة السلام في اليمن !!

علي ناجي الرعوي

لم يبحث احد في مغزى تأكيدات وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية جون كيري الذي حط هذا الاسبوع في مسقط ثم ابوظبي في زيارة ربما تكون الاخيرة له لمنطقة الشرق الاوسط من ان لقاءاته في مسقط قد نجحت في ايجاد منظور مشترك لإنهاء النزاع في اليمن وهو انجاز في نظره اخفقت كل المساعي الدبلوماسية ببلوغ اهدافه على صعيد الصراع في سوريا او في غيره من الصراعات الملتهبة في المنطقة حيث كان من الملاحظ ان معظم وسائل الاعلام العربية والدولية قد جرى تركيزها على معرفة الاسباب والمبررات التي دفعت ادارة الرئيس اوباما التي ستغادر البيت الابيض بعد شهرين الى مثل هذا التحرك وفي هذا التوقيت تحديدا لإعادة تسليط الاضواء على الملف اليمني في حين كانت هذه الادارة قد قررت طواعية ترحيل هذا الملف كغيره من الملفات العالقة الى الرئيس الجديد دونالد ترامب بل ان هناك من رأى في زيارة وزير الخارجية الامريكي ليس اكثر من تسويق لخطته التي تحولت الى خارطة طريق امميه والتي سبق وان رفضتها حكومة الرئيس هادي بالمطلق فيما تحفظ الطرف الاخر بالصراع على بعض بنودها.

وسط هذا الكم الهائل من التحليلات السياسية والإعلامية اغفل البعض اننا امام حرب مفتوحة منذ ما يقارب السنتين وانه وما لم يبادر المجتمع الاقليمي والدولي الى اجتراح الحلول والبحث عن مخارج لهذه الحرب فان مآسيها لن تنعكس فقط على اليمن وإنما على كافة دول المنطقة والخليج على وجه الخصوص وان الادارة الامريكية الراحلة او الاتية والحكومات الاخرى باتت تشعر بقلق كبير تجاه تدهور الاوضاع الانسانية في هذا البلد وانتشار الفوضى في معظم مناطقه وهو ما قد يمثل ساحة مناسبة لتمدد التنظيمات الجهادية والمتطرفة وجعل اليمن البوابة التي يمكن الانتقال منها الى بقية دول الاقليم.

مع ذلك فان من يتساءلون بحرقة عن الدوافع والأسباب التي جعلت ادارة الرئيس اوباما تتجاهل الخطر الذي باتت تشكله الحرب المستعرة في اليمن طوال الفترة الفائتة ربما يكونون محقين في طرحهم اذا ما علمنا انه كان بوسع هذه الادارة الاسترشاد بالموقف العماني الحكيم والمتوازن منذ وقت مبكر لأنها بذلك كانت ستجنب اليمن ما لحق به من دمار جراء هذه الحرب العبثية التي راح ضحيتها الالاف من اليمنيين ناهيك عن انها التي اعادت اليمن الى العصور الوسطى بفعل الخراب الذي اصاب البنية الأساسية إلا ان هذا لا ينتقص من محورية الاتفاق الذي جرى الاعلان عنه في العاصمة العمانية في ختام زيارة جون كيري لها وهو الاتفاق الذي يمهد كما جاء في تصريحات كيري لوقف الاعمال العدائية ابتداء من الخميس 17 نوفمبر الجاري وعودة اطراف الصراع الى الحوار وفقا للخارطة الاممية وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع نهاية العام الحالي ونقل صلاحيات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي الى نائب جديد متوافق عليه بالتزامن مع اجراءات امنية وسياسية اخرى يتوجب تنفيذها من كافة الاطراف بإشراف المبعوث الاممي اسماعيل ولد الشيخ.
عندما نتحدث عن كل هذه الاجراءات التي تم الاتفاق عليها بين كيري وأطراف الازمة اليمنية فان السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو : هل ان مصير الوضع في اليمن مازال بيد ادارة اوباما حتى تتمكن من فرض وقف اطلاق النار ومن ثم الحل السياسي بعده ؟ وهل مازالت واشنطن فعلا هي اللاعب الوحيد الذي يمسك بالوضع في اليمن ؟ ام ان هناك اطراف فاعلة في المعادلة اليمنية وهذه الاطراف هي من قد تعمل على افشال اتفاق مسقط وتغذية استمرار الحرب دون النظر الى الانهاك الجمعي الذي يستبد بالقوى المتصارعة على اليمن وحوله ؟ اذ ان من اللافت انه وفي الوقت الذي بدا فيه وزير الخارجية الامريكي متفائلا بنجاح المساعي العمانية والتي تمخضت باتفاق مسقط الذي يعول عليه تنظيف الجراحات اليمنية فقد خرج وزير خارجية حكومة هادي ليعلن من ان حكومته غير معنية بما جرى الاتفاق عليه لكونها كانت غائبة او مغيبة عن ذلك الاتفاق وبالتالي فانه الذي لا يعنيها من قريب او بعيد.
بصرف النظر ان كانت الادارة الامريكية الحالية تحاول ان تستغل ما تبقى من مدتها المنتهية في 20 يناير المقبل من اجل تحسين صورتها حيال ما يتعلق بالملفات العالقة في المنطقة ومنها الملف اليمني او انها من تسعى الى ترك انطباع ايجابي عن طريق جولة كيري الاخيرة فان ما ابداه وزير خارجيتها من تفاعل نحو التسوية السلمية في اليمن ينم عن ان هذه الادارة قد شعرت من ان جميع الفرقاء قد اصابهم الانهاك وأنهم من يبحثون عن مسار ما يفضي الى تسوية مرضية ولو في الحد الادنى ولذلك التقطت واشنطن الفرصة لتضع يديها على مفردات الحل مستلهمة روح المبادرة العمانية وحرصها على ايقاف نزيف الدم في القطر الشقيق الذي يربطها به الكثير من اواصر الجوار والإخاء ووشائج القربى والعلاقات التاريخية.
وفي كل حال سيبقى مشهد الازمة اليمنية غامضا ومرتبكا واكثر من ذلك مخيفا طالما وان هناك من اللاعبين والأطراف الداخلية والخارجية لم يظهر موقفا واضحا وصريحا ازاء ما جرى الاتفاق عليه في مسقط إلا ان الرهان سيظل معلقا على الدور العماني فوحده من يمكنه ان يأخذ المشهد اليمني عكس هزيع الريح وإطلال الخراب فالقيادة الحكيمة في سلطنة عمان بنظرتها الثاقبة وبصيرتها المتميزة هي من اكتشفت النقطة المضيئة الوحيدة في الجمهورية المنهارة فكان قرارها التاريخي بان تقف الى جانب السلام بصورة معمقة وخلاقة لكونها الصيغة الواقعية التي يمكن لها ان تحافظ على هذا البلد وتحمي استقراره وتمنع التدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة.

كاتب يمني