حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يستبعد الكثير من خبراء النفط أن ترتفع أسعار النفط الخام إلى مستويات عالية خلال العام المقبل 2017 نظراً للحالة السوقية التي يمر بها العالم في الوقت الحالي، حيث تتراوح أسعار النفط في الوقت الحالي ما بين الـ 40 إلى 45 دولاراً للبرميل. والسبب الرئيسي لأزمة تراجع أسعار النفط التي يشهدها العالم حالياً يكمن في ضعف الطلب وارتفاع حجم المعروض. ففي تقديرات هؤلاء الخبراء فإن الفائض في كميات النفط يبلغ حاليا نحو 1.5 مليون برميل يومياً، كما أن التخزين في أعلى مستوياته التاريخية من جانب كل الدول، الأمر الذي يؤدي بهم إلى استبعاد عودة السوق إلى النمو أو وجود طلب قوي على المدى القصير. وهذا ما يؤكده أيضاً بعض المحللين السياسيين والاقتصاديين الذي يرون بأن الدول النفطية عليها الإسراع في تبني خططها غير النفطية لتنويع مصادر دخلها وعدم ترك البيض في السلة الواحدة. ورغم هذه الصورة الضبابية للأسعار إلا أن معظم هؤلاء الخبراء يرون أن الأسعار النفطية ستكون مستقرة على ما هي عليه الآن، إلا في حالة حدوث ظروف جديدة طارئة في العالم، أو حدوث اتفاق بين دول المنتجة والمصدرة للنفط بمنظمة الأوبك وخارجها حول تخفيض الإنتاج واستيعاب الفائض الذي يؤدي إلى تراجع أسعار النفط.
لقد تعرضت الكثير من الدول المنتجة للنفط إلى خسائر كبيرة منتصف العام 2014 حيث كان سعر النفط يتراوح حينها ما بين 110 إلى 120 دولاراً، بينما الحلم الذي يراود هذه الدول حاليا هو أن يصل السعر إلى 100 دولار مرة أخرى لتتمكن من التكيف مع الالتزامات التي تقع عليها تجاه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وهذا السعر في نظر الخبراء يعد أمراً مستبعداً في الفترة الحالية، إلا أن وصوله إلى 70 أو 75 دولاراً يعد سعراً مناسباً جداً للمستهلك والمنتج على حد تعبيرهم. كما يستبعد هؤلاء الخبراء أن يكون هناك طلب كبير على النفط في العام المقبل 2017، وبالتالي فمن المستبعد أيضاً أن تقفز أسعار النفط فوق متوسطاتها الحالية، في الوقت الذي يقولون بأن أي تجميد للإنتاج النفطي على السقف الحالي للدول المنتجة للنفط سوف لن يكفي لإعادة الانتعاش مرة أخرى إلى أسعار النفط في الأسواق العالمية، بل سيزيد من العرض خاصة أن هناك فائضاً وتخزيناً على أعلى في مستويات عدة دول. والعالم متجه اليوم إلى إعطاء اهتمام أكبر للاقتصاد الأخضر الذي يعتمد على الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية، الأمر يقلل الاعتماد الكبير على الطاقة النفطية، وخفض استهلاك النفط في بعض المشاريع المستحدثة. وهذا ما يدفع الدول المنتجة للنفط بضرورة التفكير بإعادة رسم السياسات الاقتصادية بعيداً عن الاعتماد المباشر على بناء موازناتها على إيرادات النفط والغاز، وتمهيداً للخروج من الأزمات المالية التي يسببها تراجع أسعار النفط على القطاعات الاقتصادية الأخرى.
إن خطورة اعتماد الدول النفطية على عائدات النفط تكمن لارتباط أسعار النفط بالأسواق العالمية، وما يجري فيها من تقلبات حادة بين الحين والآخر الأمر الذي يؤثر بصورة كبيرة على النمو والاستقرار الاقتصادي في تلك البلدان المنتجة للنفط. وهذا ما يدفع المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي إلى إصدار تحذيراته بضرورة التوجه نحو التنويع الاقتصادي للخروج من الأزمات المالية التي قد تسبب مشاكل اجتماعية للدول مستقبلاً. والمعروف أن دول المنطقة تعد من البلدان التي تعتمد بصورة كبيرة على الصادرات النفطية، الأمر الذي دعاها في السنتين الفائتتين بالإسراع في تطبيق أسس جديدة والعمل على تبنيها لاستراتيجيات التنويع الاقتصادي من أجل إعادة هيكلة الاقتصاد ورفع مستوى مساهمة القطاعات الاقتصادية البديلة، وتحسين كفاءة فاعلية هذه القطاعات خاصة بقطاع الصناعات التحويلية والسياحة، لتضمن استمرارية وديمومة النمو الاقتصادي في بلدانها. كما أن المنطقة يمكن أن تتميز في تأسيس صناعات المعرفة وتقنية المعلومات لما لها من دور فعال في التنمية، ومن خلالها يمكن لها استقطاب المزيد من رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، إلا أن ذلك يتطلب أيضاً تطوير البنية الأساسية وسن التشريعات والقوانين المناسبة لاستقطاب وحماية الاستثمارات الأجنبية. وفي هذه الأوضاع يتطلع الجميع إلى أن يكون القطاع الخاص هو المحرك للنشاط الاقتصادي وليس القطاع العام، وأن يبادر هذا القطاع للدخول في الصناعات المهمة القادرة على تشجيع الاستثمارات والانتقال من الاستثمارات في القطاعات التقليدية إلى القطاعات الأخرى. كما أن تحسين آلية البيئة الاستثمارية الحالية في المنطقة والتغلب على المعوقات التي تواجه الاستثمار الأجنبي يتطلب إيجاد مزيد من التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، وتعزيز الثقة في الاقتصادات الوطنية والإسراع بعلميات الخصخصة للمشاريع الناجحة، إضافة إلى مساعدة القطاع الخاص على الاستثمار في القطاعات والصناعات التي يتردد الدخول فيها بسبب ارتفاع تكاليف الإنشاء أو بسب مخاوف أخرى.