خاص - محمد محمود البشتاوي
«لا ممرات آمنة، ولا قواعد أخلاقية في الحرب»، ربما هذا ما ينطبق على حروب الشرق الأوسط، وصراعاته، إذ يذهب المدنيون ضحية النزاع الذي عادة ما تتداخل فيه أطراف عدة؛ فما يحدثُ في حلب، ينسحبُ على الموصل، وينطبق على اليمن، وليبيا؛ فالنتيجةُ واحدةٌ وإن تعددت أمكنةُ الحرب. في الموصل، تشهدُ المدينةُ «حرب شوارع»، ومعركة تستخدم فيها كل الأسلحة، فيما يتحصنُ تنظيم داعش داخل المدينة، متخذاً من 1.2 مليون عراقي محاصرين دروعاً بشرية، ورغم ضراوة المعركة، يحاول المدنيون، العالقون بين نارين، قدر الإمكان، البقاء على قيد الحياة.
وفي هذا الصدد؛ أعرب المجلس النرويجي للاجئين، في بيانٍ صحفي وصلت نسخةٌ منه إلى «الشبيبة»، يوم أمس الأحد، عن قلقه الشديد إزاء المحاصرين في الموصل، مؤكداً أن عدد النازحين من المدينة وصل إلى ما يقارب 50 ألف شخص، منذ بدء العمليات العسكرية لاستعادة المدينة من حكم داعش في 17 أكتوبر الفائت. وقد زاد عدد النازحين بشكل جذري في الأسبوع الفائت حيث وصل العدد لـ20 ألفاً مقارنة مع 6 آلاف في الأسبوع الذي سبقه.
وفي السياق؛ يقول مدير المجلس النرويجي للاجئين في العراق وولفجانج جريسمان: «أخبرنا المدنيّون قصصاً مروعة من داخل الموصل، كنقل داعش لهم من حي إلى آخر، ومن منزل إلى آخر كوسيلة لاستخدامهم كدروع بشرية».
ويتم حصار المدنيين بشكل متكرر تحت تبادل إطلاق النار. وقال أحد الآباء الذين تحدثوا مع المجلس النرويجي للاجئين إنه قد خسر ثلاثة أفراد من عائلته جراء قصف منزلهم، حيث تمكنت الأم من الهرب مع طفليها، إلا أنهم أصيبوا بحروق بالغة. ويقول لنا الآباء إنهم لا يستطيعون اصطحاب أفراد العائلة المصابين إلى المستشفى بسبب القصف المتواصل. كما أن بعض الناس لم يأكلوا لعدة أيام نظراً لاستنفاذ الطعام وخوفهم من مغادرة بيوتهم.
وفي وجه هذه التطورات، يعبر المجلس النرويجي للاجئين عن قلقه إزاء التقارير المروعة عن المدنيين الذين تم شنقهم وقطع رؤوسهم وتعذيبهم. ويحذر جريسمان قائلاً: «يجب ألا يتم استخدام المدنيين كأسلحة في الحرب، بل يجب حماية الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. وهنالك قواعد واضحة تحكم الحرب، ويجب احترامها من قبل جميع الأطراف».
إن النازحين من الموصل خائفون أكثر فأكثر من التحدث علانية عن تجربتهم تحت حكم داعش لخوفهم من الانتقام من أفراد عائلتهم الذين لا يزالون محاصرين داخل المدينة. ويصل نحو 70% من العراقيين الفارين من الموصل إلى مواقع للنازحين، حيث تقوم منظمات الإغاثة كالمجلس النرويجي للاجئين بتزويدهم بالمستلزمات الأساسية كالطعام والمياه والمأوى، كما يقدم المجلس الدعم النفسي إلى الأطفال المصابين بالصدمات النفسية.
وأعرب المجلس أيضاً عن قلقه إزاء الاحتياجات الإنسانية المتفاقمة للنازحين، ولا سيما في المناطق التي تمت استعادتها من قبل الحكومة العراقية، حيث يوجد عشرات الآلاف من المدنيين دون مياه أو طعام أو كهرباء أو خدمات صحية أساسية. وعلى المجتمع الإنساني ألا يزود المخيمات بالمساعدات فحسب، بل أن يقدم استجابة منسّقة إلى الأشخاص في مناطقهم الأصلية، إذا سمحت الظروف الأمنية بذلك.
ويضيف وولفجانج قائلاً: «يطلب المجلس النرويجي للاجئين من الحكومة الحرص على وصول المساعدات الإنسانية لتلك المناطق، والعمل على استعادة القانون والنظام بسرعة والاستعجال بإزالة الألغام والمواد غير المتفجرة لكي تتم مساعدة من هم في أمس الحاجة للمساعدة».
يشار إلى أن المجتمع الإنساني أطلق نداء طوارئ لدعم الاحتياجات في الموصل بمبلغ 284 مليون دولار أمريكي في يوليو، تم الحصول على 64% منه فقط خلال الأشهر الأربعة الأخيرة.
وبلغ نداء المساعدة السنوي الذي طلبته الأمم المتحدة للعراق 861 مليون دولار أمريكي، تم تمويل 62% منه فقط. ويعد أثر نقص التمويل للعمليات الإنسانية بأكملها هائلاً، ويقدر عدد الأشخاص الذين هم بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في العراق 10 مليون شخص، حيث نزح ما يقارب 3,3 مليون شخص منذ يناير 2014.