انقد الحكومة لا تنتقد المجتمع!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٦/نوفمبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
انقد الحكومة لا تنتقد المجتمع!

علي بن راشد المطاعني

عندما تنتقد سلوكا مجتمعيا خاطئا تهدف إلى تصحيحه إلى الأفضل، فإنه عليك أن تتحمل سيلا من الانتقادات التي تنهال عليك، والشتائم والنقائص، لا لشيء إلا لأنك تقول رأيك في ظاهرة مجتمعية تحتاج إلى معالجة، أو مشكلة ترى من الأهمية حلها، فهناك مترصدون يصادرون حرية التعبير للفرد، فلكي تسلم من الانتقاد، ويصفق لك في مواقع التواصل الاجتماعي، لابد أن تنتقد الحكومة فقط!
أما عندما تنتقد سلوكا خاطئا يظهر بين الفنية والأخرى في البلاد وترغب في معالجته حبا في مجتمعك، فإن أقل نقد يمكن تسمعه أو تقرؤه أنك من فئة "خالف تعرف" فهذه العبارة أصبحت سيفا مسلطا على رقاب الصحفيين والكتّاب الذين يكتبون آراء مغايرة لرغبة المجتمع، والبعض الآخر يقول "تريد لنفسك الكلام" أو "ابعد عن الشر وغني له" وما شابه ذلك من تعليقات، يحز في النفس أن تسمعها، وتقرأها في السويشل ميديا أو تقال لك شفويا في المحافل والمناسبات لتثبيطك عن الكتابة.
بل يصل بالبعض إلى التهديد المبطن لك بالابتعاد عن هذا المسار، وهو ما يجعل بعض الكتّاب فعلا يبتعدون عن نقد المجتمع، تلافيا لمثل هذه التعليقات، وحفاظا على سلامتهم من الكلام، ووضعهم في القوائم السوداء، أو يعملون لهم " بلوك " في مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يبعث على الحزن أن نصل إلى هذه المرحلة من مصادرة الفكر وحرية التعبير.
في المقابل تنهال عليك التهاني والتبريكات، والتشجيع ولايك ورتوتيت، وإعجابات في حسابات توتير والفيس بوك وغيرها بالاستمرار في الكتابة في هذا الجانب عندما تنقد جهات حكومية وخدمات عامة، فهل نقد الحكومة حلال، بينما نقد المجتمع وسلوكياته حرام؟.
إن تباين الآراء واختلافها ظاهرة صحية في المجتمع، لا تستوجب كل الشحن وتأويل الأمور إلى أكثر ممّا تحتمل، ففي المجتمعات المتقدمة تحترم فيها الآراء مهما كانت مع أو ضد المجتمع، فلديهم سعة في الأفق واستيعاب التباين في الآراء والفكر مهما اختلف مع المجتمع.
فعندما أكتب مقالا أنتقد فيه سلوكا، أو ظاهرة سلبية مثل تزايد الإجازات الطبية المتمرضة، وضرورة الحد منها بإنشاء " نظام إجازات إلكتروني" ، أو ترشيد استهلاك خدمة، من خلال تعويم أسعارها وفق تكلفتها، يجن جنون البعض في إطلاق سيل من الاتهامات والانتقادات تصل إلى الشتائم والسباب.. مما يضع بعض الكتّاب اليوم حسابا لما يكتبون، تلافيا لهذه النوعية من الناس التي تمتهن التهجم على الغير المخالف لآرائها وأفكارها.
إن إيذاء الكتّاب والصحفيين ، يفسّر أن حرية التعبير أصبحت مقيدة ، ليس من الجهات المختصة كما يقال أو من مقص الرقيب في وسائل الإعلام، وإنما من المجتمع الذي يراقب، وخاصة الإعلام الانترنتي المراهق الذي يصادر حريتك في التعبير والتفكير ويتناولك بالسب و الشتم ،لا لشيء إلا لأنك خالفت ما يرغبون فيه.
بل البعض يقول لك " الموت مع الجماعة رحمة " فلا يمكن أن تغير من الواقع شيئا، أو كن كما قال الشاعر: ما أنا من غازية غزيت، وإن ترشد غازية أرشدا في إشارات إلى أنك لا تخالف الجمع فيما هو عليه، لابد أن تكون مع العوام لكي يحبوا كتاباتك، فهل هذه ظاهرة صحية يمكن أن نصحح فيها الكثير من الممارسات الخاطئة ونصلح مجتمعنا.
إن هذا التعاطي السلبي مع كل الكتابات التي تنتقد السلبيات المجتمعية يقودنا إلى تساؤل نطرحه على زملاء المهنة، هل نسكت عمّا نشاهده من أخطاء أو ممارسات سلبية تضر بالمصلحة العامة، تلافيا لانتقادنا أو إطلاق عبارة أو مقولة "خالف تعرف" علينا ونفضّل السكوت عمّا يشين المجتمع، ونركز السهام على الحكومة فقط، ‏لكي يرتاح البعض ممّا يثير مضجعه ويفضح أساليبه.
إن الهدف من الكتابة الإصلاح، والكاتب لا ينقاد إلى انطباعات العامة في ما يتناوله إذا لم تكن لديه قناعة فيما يطرحه، سواء أعجب العامة أو لم يعجبها، أو نال من رضا جهة أو أغضبها، فهذه مهمة الكاتب، وليس بالضرورة رضا نيل فئات أو شرائح معينة، بل إن الكتابة الناجحة هي التي تثير جدلا فيما تناقشه في الأوساط ويكون لها المؤيد والمعارض، بل يكون لها تأثير واضح بمعالجة تلك الأخطاء والمشكلات، فهذا هو دور الصحافة ورسالتها في المجتمع، دورها استباقي في التنبيه إلى القضايا والمشكلات التي تحوم على المجتمع،، ويمتد دورها إلى استشراف المستقبل من خلال أطروحات تتناول بعض الحلول والمقترحات والتجارب، لكن ذلك ليس معناه أن الكاتب ضد المجتمع، وإنما العكس، فمعية المجتمع تعني إصلاحه وليس الالتفاف على أخطائه.
بالطبع ليس كل المجتمع ضد الكتابات التي تسلط الضوء على الإصلاح، فهناك شرائح واسعة خاصة المتعلمة مع تقويم السلوكيات، وضبط إيقاع الممارسات الخاطئة ومع تهيئة المجتمع نحو حياة صعبة، إلا أن ما يثار طبعا يثير القلق لمستوى حرية التعبير المجتمعية التي تصادر رأي كل مخالف لها.
نأمل أن نتقبل الآراء على اختلافها وموقعها مهما كانت قوية في نقد ذواتنا، فهي من محب لا ينشد إلا المصلحة العامة، ومن جزء لا يتجزأ من المجتمع، بل منه وإليه، والله من وراء القصد.