يعد استعداد السلطنة لتخفيض ما بين 5 إلى 10 بالمائة من الإنتاج النفطي بادرة لدعوة دول منظمة أوبك المصدرة للنفط وخارجها إلى إجراء تخفيضات مماثلة، ووقف الانهيار الذي تشهده أسعار النفط في الأسواق العالمية وسط ذهول المنتجين والمستهلكين الذين يندهشون لحالة الاضطراب التي عليها أسعار النفط، وبقيت الدول المصدرة تتفرج دون أن تحرك ساكنا من أجل وقف الضرر البالغ الذي يقع على البلدان المنتجة والمصدرة، مما يستوجب أن تؤخذ هذه الدعوات بجدية من أجل العمل على وقف هذا النزيف المتلاحق والنزول المتداعي وتأثيراته الواسعة على كل الدول المنتجة والمصدرة للنفط.
إن مثل هذه الدعوة الصادقة من السلطنة التي لا ناقة لها ولا جمل في صراع الحصص السياسي بين الدول المصدرة للنفط داخل أوبك وخارجها، يجب أن تؤخذ على محمل الجد لوقف التهور الذي أصاب بعض الدول في تحطيم الأرقام القياسية لأسعار النفط في الأسواق غير آبهة بما تعبث به من مصالح شعوبها وإنهاك ثروات أجيالها في سبيل تنفيذ سياسة تركيع بعض المنتجين والفاعلين على الساحة الدولية الكبار ولكن في نهاية المطاف سيركع الذين يلعبون بالنار ...
هذه الدول الكبرى مثل روسيا وإيران لديها مقومات كبيرة، ولديها تجارب أكبر في التعاطي مع الأزمات ولديها ميراث من دروس الصبر على الحروب فما بالك بانخفاض أسعار النفط، لهذا يجب أن تتعقل الدول المصرة على السباق وتتأكد أنها لن تكمل المشوار إلى نهايته وأنها كمن يجني على نفسه أكثر من ينهك غيره. ..
فقد أطاحت تلك الأزمة التي لم تحدث منذ 13 عاما بآلاف الوظائف وكبّدت ميزانيات دول كثيرة مليارات الدولارات، وتوقفت أو أغلقت بسببها مشروعات لا حصر لها ...أضف إلى ذلك خسائر أسواق المال، مع استمرار النزيف وتراجع الأسعار أكثر من 70% في حوالي عام ونصف فقط ...وهناك تقديرات تؤكد أن خسائر دول مجلس التعاون الخليجي تزيد على 300 مليار دولار منذ بدء الانهيار في الأسعار.
إن إغراق الأسواق النفطية بأكثر من حاجتها بقصد الحفاظ على حصص الدول المصدرة للنفط من أوبك مع نظيرتها من خارجها لعبة سياسية أكثر منها اقتصادية، فلا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل، فكيف يمكن أن تعوض زيادة الحصص مع انخفاض الأسعار إلى الدرك الأسفل، فأي منطق يقول ذلك إلا في أحلام العجزة للأسف؟ّ!
والتخمة في الأسواق لا يمكن أن تغطي الفوارق في انخفاض الأسعار وإنما ستزيد من الأوجاع التي تعاني منها الأسواق وتملأ مخزونات الدول المستوردة للنفط، والخاسر الأكبر هي الدول المنتجة للنفط، فهل من عاقل يرى هذه الانهيارات في الأسواق وهو يعي أنها ناتجة من سباق الحصص وعدم الالتزام بما هو محدد.
إن إجراء تخفيض الإنتاج بمعدلات 10 بالمائة من كافة الدول والالتزام به من كافة المنتجين والعمل على إيجاد بيئة من الثقة والشفافية بين المصدرين للنفط، سوف يصحح الأسعار ويقلص الإغراقات في الأسواق من النفط، ويعزز من الاحتياطيات النفطية لدى الدول المنتجة لهذه الثروة من أجل الحفاظ على ثروات الأجيال، بدلا من السباق نحو هدرها بدواع سياسية ومراهقات لا داعي لها.
بالطبع الكل ينشد تصحيح الأسعار في أسواق النفط، والكل متأثر، والبعض تتآكل احتياطياته من كثرة الاستنزاف إلى غير ذلك من التأثيرات الواسعة، إلا أن القليل يعملون بجدية وصدق على تلافي ذلك من خلال خفض الإنتاج وتقليص حرب الحصص التي يخوضها البعض بهدف معروف ولكن بعيد المنال، وأن هذا السباق والتركيع أشبه بصراع الطواحين ليس أكثر من جانب بعض الدول.
نأمل أن يعي الجميع خطورة عدم تخفيض الإنتاج والتراجع عن سياسات هوجاء أكدتها الأيام وأثبتت عدم جدواها حتى للاقتصاد العالمي، المهدد بالركود في ظل هذه التجاذبات غير الواعية في إغراق سوق النفط بالمزيد من النفط.