يكتسب إنشاء الصندوق الوطني للتدريب وفق المرسوم السلطاني رقم 48 / 2016م أهمية كبيرة في المرحلة الراهنة والمقبلة، في إطار الخطط الهادفة إلى التأهيل الكوادر الوطنية، والارتقاء بمهاراتها، وصقل قدراتها بما يتواكب مع التطورات المستقبلية التي يفرضها سوق العمل في البلاد والعالم، وإذكاء التنافسية لدى القوى العاملة الوطنية في أسواق مفتوحة تتسم بالتنافس على القدرة والإنتاجية وليست الأفضلية، فضلا عن إشراك المجتمع عبر شركاته ومؤسساته والقادرين فيه على الإسهام الفاعل في صياغة قدرات وطنية فاعلة ومنتجة من خلال التأهيل المتواصل يعمل على الارتقاء بالكوادر الوطنية إلى ما نتطلع إليه جميعا، وتعزيز الكفاءات الوطنية في مؤسساتنا بشكل أكبر مما هو عليه الآن، الأمر الذي يبعث على الارتياح لمثل هذه الخطوات الوطنية الهادفة إلى تأهيل كفاءة المواطنين التي تؤكد بما لا يدعو مجالا للشك بأن الاهتمام الذي توليه الدولة لهذا الجانب المهم في مسيرة النهضة المباركة متواصل ومتواكب مع المستجدات والمتغيرات.
فبلا شك أن إنشاء صندوق وطني للتدريب بمرسوم سلطاني سامٍ يعكس في المقام الأول الاهتمام الذي يحظى به التدريب من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله- بتأهيل الكوادر الوطنية، وإدراكه العميق بأن التدريب والتأهيل هما الأساس في إعداد المواطن العماني، وتعزيز قدراته بما يتواكب مع المستجدات التي يشهدها العالم، وإنشاء هذا الصندوق ليس بغريب على جلالته الذي أولى هذا الجانب كل عنايته واهتمامه الخاص منذ بواكير النهضة المباركة، سواء بإنشاء الأجهزة الحكومية المختصة بالتدريب، أو بالتشريعيات المحفّزة على التأهيل، أو في خطاباته ولقاءات جلالته مع المواطنين حيث إن جلالته دائماً يحث على التدريب والاهتمام به، باعتباره هو الذي يسهم في إعداد المواطن للمتغيرات العصرية التي تتطلب التسلح بالكفاءة والقدرة على مواكبة التطور العلمي والتقني.
ومن شأن إنشاء هذا الصندوق أن يكمّل الجهود المبذولة في مجال التدريب والتي تضطلع بها العديد من الجهات في القطاعين العام والخاص في البلاد، كوزارة القوى العاملة والخدمة المدنية والوحدات في الأجهزة الحكومية والجامعات والكليات والمعاهد المتخصصة، فهذه الوحدة الجديدة ستكمّل أدواراً تضطلع بها هذه الجهات من خلال منظومة عمل جديدة تأخذ بالمتغيرات الداعمة للتدريب من كل الفئات القادرة على الإسهام في النهوض بهذه المنظومة.
فالتدريب والتأهيل في السلطنة يحتل أولوية كبيرة، ويتمثل ذلك من خلال الأجهزة التي تعنى به، والموازنات التي ترصد لهذا الجانب، فضلا عن التوعية بهذه المنطلقات الهادفة إلى إيجاد الوعي بأهمية التعلم الذاتي في عالم تتدفق فيه المعرفة والعلم كل ثانية. فإنشاء هذا المرفق من شأنه أن يعزز هذه الجهود من خلال منظومة عمل جديدة تأخذ مبدأ المشاركة في إدارة التدريب من خلال صندوق قد تتضافر الجهود الحكومية والأهلية في إنجاحه في أداء مهمته في دعم برامج التدريب في السلطنة، وتوفير ما يلزم لها من موارد مادية يتطلبها التدريب الذي يجب ألا يتوقف لتحديات الموازنات المالية التي تحتكم للظروف في بعض الأحيان وتحد من استدامته.
فالإسهام في التدريب من خلال هذه المنظومة من جانب الشركات ورجالات الأعمال، له طرق كثيرة من شأنها أن تفرض على جلب القوى العاملة الوافدة للشركات والمؤسسات، مع إعطاء مرونة لها في جلب القوى العاملة التي تريدها لسد احتياجاتها، فعلى سبيل المثال رفع قيمة المأذونيات لجلب العمّال، وتحويل جزء منها للصندوق التدريب كأحد الحلول للارتقاء بالتدريب الذي يحتاج إلى إمكانيات كبيرة جدا، إذا رغبنا بتأهيل متطوّر يعمل على إيجاد كوادر عمانية مؤهلة لسوق العمل يتسم بالتنافس القوى، ويتطلب مهارات عالية تسهم في الارتقاء بالكوادر الوطنية، فالكثير من الدول تعمل بهذا النظام. فاليوم قيمة مأذونية العامل في السلطنة تبلغ مئتي ريال عماني للسنتين، أي بمعدل مئة ريال في العام، وهي رخيصة جدا مقارنة بالعديد من الخدمات التي يحصل عليها العامل، فرفع قيمة المأذونية كما تعمل به بعض الدول التي تبلغ قيمة المأذونية فيها 500 ريال للعامل، مع السماح للشركات بجلب القوى العاملة التي تحتاجها، أحد الحلول لتطوير القدرات الوطنية، بشكل يلبي متطلبات رجال الأعمال، بحيث توجّه الموارد المالية المحددة للتدريب للصندوق الذي سيوفر الموارد المالية للجهات التدريبية وبرامجها وفق منظومة عمل تراعي الجودة والتدرج في التأهيل والاستدامة في العمل، فضلا عن حصول الصندوق على التبرعات والهبات والوقف للأعمال التدريب والتأهيل من بعض المقتدرين سواء من الشركات أو رجال الأعمال وغيرهم من فئات المجتمع التي عليها مسؤوليات كبيرة، في ترجمة حبهم لتطوير قدرات أبنائهم إلى واقع ملموس من خلال المساهمة في هذا الجهد الوطني، وليس فقط النعت بالقول والإيماءات بعدم قدرة الكوادر الوطنية، والانتقاص منها.
فالصندوق جاء ليلبي الدعوات إلى فتح سوق العمل في السلطنة أكثر مما هو عليه، وإتاحة إغراقه بالقوى العاملة الوافدة، مع عدم ضمان فرص عمل للمواطنين، هذه من المطالب التي كما يقال «حق يُراد به باطل»، فإنشاء هذا الصندوق وتعديل رسوم جلب القوى العاملة، ربما حل وسط من شأنه أن يرضي كل الأطراف التي لها مصوغاتها في جلب القوى العاملة الأجنبية، رغم أن أكثر من 90 في المئة منها غير مؤهلة فعلا، إلا أنه لسد الذرائع على الكل، يمكن العمل بمنظومة رفع رسوم القوى العاملة وتوجيها للصندوق لتأهيل المواطنين للتنافس على الوظائف في القطاع الخاص.
بالطبع إنشاء هذا الصندوق الوطني للتدريب ربما أحد الحلول التي تعمل الحكومة على استحداثها، لمواكبة التطورات في مجال التدريب، ورغبة منها بتأهيل الكوادر الوطنية بما يرضي سوق العمل وأربابه، ولكن ليس هو كل الحل، إذا لم تكن هناك رغبة حقيقية من رجالات الشركات والمؤسسات بإتاحة المجال أمام أبنائهم وأهل «ديرتهم» بالعمل، والصبر عليهم كالصبر على الوافدين، فلن يتحقق ما نصبو إليه، مهما بُذلت من جهود منفردة.
نأمل أن يكون إنشاء صندوق الوطني للتدريب بادرة طيبة يرفد الجهود المبذولة بالتأهيل ويطوّر القدرات الوطنية، ويحل جزءا مما يطالبه رجال الأعمال.