إعادة هيكلة الديون في الخفاء

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١١/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
إعادة هيكلة الديون في الخفاء

ريكاردو هوسمان

مع بدء الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، تغيب بوضوح إحدى الدول الأعضاء: فنزويلا. ولكن يظل هناك الكثير الذي يستحق المناقشة حول الوضع المالي للبلاد. والواقع أن أزمة الديون السيادية هناك أصبحت لا مفر منها.
كانت كل أزمات الديون السيادية الكبرى في الماضي ــ بما في ذلك في المكسيك واليونان ــ سببا في توليد تغييرات في القواعد، أو فلسفة التشريع، أو الاستراتيجيات التي يتبناها المدينون والدائنون، والمؤسسات المالية الدولية. ومؤخرا، تسببت معركة الأرجنتين التي دامت خمسة عشر عاما مع دائنيها ــ حيث كانت حال رافضي التنازل عن كامل أصل الدين وفوائده أفضل من أداء الدائنين الذين قبلوا قبل سنوات مبادلة الديون ــ في زعزعة استقرار بنية النظام المالي الدولي وتوليد مجموعة جديدة من القواعد. وسوف تكون فنزويلا أول دولة تطبق عليها القواعد الجديدة؛ ومن الواضح أنها لا تستطيع أن تتحمل تكلفة الإخفاق في التعامل معها.
الواقع أن فنزويلا تمر بأزمة طاحنة من صنع يديها. فقد استخدمت الحكومة فترة ارتفاع أسعار النفط من 2004 إلى 2013 لزيادة ديونها الخارجية إلى خمسة أمثالها، ومصادرة أجزاء كبيرة من الاقتصاد، وفرض ضوابط شديدة القسوة على الأسعار والعمل والعملة. ومع انهيار أسعار النفط في عام 2014، اختارت الحكومة، بعد أن فقدت القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال بسبب إسرافها، الاستمرار في خدمة ديونها المضمونة بسندات والتخلف عن سداد التزاماتها للمستوردين وأغلبهم من الدائنين من خارج القطاع المالي.
كما تحاشت الحكومة أي نصيحة أو تمويل من صندوق النقد الدولي، واختارت بدلا من ذلك موازنة تدفقات النقد الأجنبي من خلال إحداث أكبر انكماش للواردات في تاريخ أميركا اللاتينية. وقد تسبب هذا في هبوط الناتج بأكثر من 30% (نظرا لقطع المدخلات المستوردة)، وارتفع التضخم إلى 700%، وسرعان ما انتهى ذلك إلى نقص واسع النطاق في الضروريات. وبين أمور أخرى، أدى هذا الانحراف غير المسبوق في الأولويات إلى انهيار إنتاج النفط، لأن شركة النفط الوطنية الفنزويلية (PDVSA) فشلت في الحفاظ على بنيتها الأساسية الإنتاجية وتخلفت عن سداد التزاماتها لمتعاقدين رئيسيين من أجل السداد لحاملي السندات ــ وبالتالي قتلت الإوزة التي كانت تبيض ذهبا.
إن افتقار فنزويلا إلى القدرة على الوصول إلى الأسواق يعني أنها غير قادرة على ترحيل التزاماتها، إلا بشروط من شأنها أن تزيد من عجزها عن سداد ديونها، كما تحاول شركة النفط الوطنية أن تفعل. ولا يمكنها أيضا توليد القدر الكافي من النقد الأجنبي لسداد ديونها عندما تصبح مُستَحَقة. أي أن فنزويلا سوف تحتاج إلى أعادة هيكلة ديونها القائمة على نحو أو آخر.
تصب إعادة الهيكلة في مصلحة الجميع في نهاية المطاف؛ ولن يُفضي حرمان الاقتصاد من الواردات إلا إلى إضعاف قدرة فنزويلا على الإنتاج وسداد ديونها. ولكن ما هي الأدوات المتاحة لفنزويلا لتأمين التوصل إلى حل تعاوني مع دائنيها في عالَم ما بعد الأرجنتين؟ وما هو الدور الذي ينبغي للمؤسسات المالية الدولية أن تلعبه لتسهيل التوصل إلى نتيجة فعّالة؟
يتمثل أحد العناصر الحاسمة في إعادة هيكلة الديون بنجاح في ضمان تلقي الدائنين المتماثلي الأوضاع لمعاملة متساوية. ولكن هذا في حكم المستحيل ما لم تُحَل مشكلة "الرافضين": فإذا وافق أغلب الدائنين على خفض أو تأجيل مطالباتهم، فمن المغري دوما لأي دائن فرد أن يعترض سعيا إلى الحصول على كامل مستحقاته بالاستفادة من آلام الدائنين الآخرين. ولهذا السبب تسعى محاكم الإفلاس والسندات المشروطة بالعمل الجماعي إلى إلزام كل حاملي الأسهم بما في ذلك الرافضين المحتملين بالاتفاقات التي قبلتها أغلبية مؤهلة من الدائنين.
شهدت حالة الأرجنتين أمرين مهمين. فأولا، لم تكن السندات السيادية المتعثرة مشروطة بالعمل الجماعي، وعلى هذا فلم يكن هناك أي سبيل لإرغام الرافضين على قبول الاتفاق المبدئي. والأمر الأكثر أهمية هو أن المحاكم الأميركية قبلت بعد سنوات تفسيرا جديدا لشرط التساوي والذي دفع به الدائنون الرافضون (ورفضه كل المشاركين والممارسين الرئيسيين الآخرين في تمويل الديون السيادية تقريبا). ونتيجة لهذا، مُنِعَت الأرجنتين من السداد بأسعار الفائدة الحالية للدائنين الحاملين لديونها التي أعيدت هيكلتها ما لم تدفع في الوقت نفسه للرافضين كامل الدين الأصلي والفوائد المستحقة وفقا للتعاقدات.
لقد أصبحت إعادة الهيكلة في عالَم ما بعد الأرجنتين أكثر صعوبة لأن نجاح الرافضين في هذه الحالة يعني أن حاملي السندات الميالين إلى التفاوض على حل لابد أن يشرحوا لمستثمريهم لماذا لا يلاحقون استراتيجية رفض التنازل التي قد تكون أكثر ربحية.
بيد أن ديون فنزويلا مختلفة. إذ تتألف 60% من ديون البلاد العامة الخارجية من سندات، نصفها تقريبا صادرة عن الحكومة ونصفها الآخر صادر عن شركة النفط الوطنية. وباستثناءات قليلة، تحمل سندات الحكومة شرط العمل الجماعي، الأمر الذي يجعل من السهل بعض الشيء معالجة مشكلة الرافضين. أما سندات شركة النفط الوطنية فجميعها صادرة في الولايات المتحدة، كما هو مطلوب قانونا من كل سندات الشركات، وهي لا تحتوي على شرط العمل الجماعي.

وزير التخطيط الأسبق في فنزويلا، وكبير خبراء الاقتصاد في البنك الأميركي للتنمية سابقا، وأستاذ ممارسات التنمية الاقتصادية في جامعة هارفارد.