مسقط-ش
يعتبر النفط المصدر الأساسي لاقتصاديات الدول النفطية من حيث العوائد والدخل وللدول الغير نفطية باعتباره أحد اهم مصادر الطاقة المحركة لعجلة التنمية في الكثير من الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء. الأمر الذي دفع غرفة تجارة وصناعة عمان إلى إصداد تقرير مفصل عن النفط أعده الخبير الاقتصادي في الغرفة د. عبد السلام يحيى.
ويقول التقرير أن المشكلة النفط الاقتصادية تكمن في كونه سلعة مهمة واستراتيجية تتقلب أسعارها من فترة الى أخرى بشكل حاد ارتفاعا وهبوطا نتيجة للعديد من العوامل الاقتصادية والسياسية والفنية والمناخية الأمر الذي يترتب عليه اثاراً سلبية أو إيجابية على اقتصاديات الدول وفقا لتصنيفها من حيث الإنتاج التصدير أو الاستهلاك. الامر الذي دفع
وقد شهدت سوق النفط الدولية العديد من التقلبات الحادة في سعر هذا المادة الحيوية للاقتصاد العالمي فمثلا ارتفاع الاسعار في الفترة 1973-1979 (من 3 الى 35 دولاراً للبرميل) تلاه انخفاضات حادة في الاسعار خلال الفترة 1981 الي 1985 ( من 35 إلى 8 دولارات للبرميل). في حين شهدت فترة 2003 الي 2008 ارتفاعات ولكنها حدثت بشكل تدريجي ترواحت بين 30 الي 65 دولار للبرميل . اما الفترة الحالية والممتدة من 2014 الي 2016 فقد شهدة انخفاضا حادا في اسعار النفط من 104 دولار للبرميل في بداية 2014 الي ما دون 30 دولارا للبرميل الواحد في نهاية 2015 الأمر الذي ترتب عليه اثارا سلبية علي العديد من الدول المنتجة والمصدرة للنفط واثاراً ايجابية للدول المستهلكة من حيث انخفاض فاتورة واردتها.
تصنيف النفط الخام
ويوضح التقرير أن من أهم إسهامات معهد النفط الأمريكي (API ) إنشاء معيار للكثافة يقاس بالدرجات وتبدأ من صفر. فالنفط الذي تقل كثافته عن 25درجة يعتبر ثقيلاً، والنفط الذي تراوح كثافته بين 25 و35 يعتبر متوسطاً، وأي نفط كثافته أعلى من 35درجة يعتبر خفيفاً. أما النفط الحلو فهو الذي تقل فيه نسبة الكبريت عن 1في المائة. وينخفض سعر النفط مقارنة بخامات القياس كلما زادت كثافته وحموضته، ويرتفع سعره مع انخفاض كثافته وحموضته. ويمثل إنتاج النفط الخفيف الحلو نحو 40 في المائة من الإنتاج العالمي، بينما تمثل النفوط الثقيلة والمتوسطة الـ 60في المائة الباقية
بناء علي ذلك يصنف النفط الخام وفقا لعدة اسس منها بلد المنشأ، الكثاف، المحتوي الكبريتي، اللزوجة، و المشتقات.
فمن حيث المنشأ يستخدم هدا التصنيف كدالة استرشادية لفروق الاسعار . فمثلا نفط غرب وشمال تكساس هو علامة لنفط شمال امريكا. اما نفط دبي فهو يدل علي منطقة اسيا والمحيط الهادي . تاتبيس من ماليزيا يعتبر مرجع للزيت الثقيل في الشرق الاقصى. وميناس من اندونيسيا علامة للنفط الخام في السوق الاوروبية
ومن حيث درجة الكثافة والمحتوي الكبريتي وفقا لتصنيف معهد النفط الامريكي (API ) حيث ان الكثافة تؤثر علي جودة النفط وتجعله منه عالي القيمة ثم اضيف عنصر او عامل اللزوجة. فكلما زادت درجة الكثافة وانخفضت درجة اللزوجة كلما زادت جودة النفط الخام
فاذا كانت نسبة الكبريت قليلة يسمى خاما خفيفا ويكون سعره أعلى، وإذا كانت مرتفعة يسمى خاما ثقيلا ويباع بثمن أقل لأن كلفة تكريره أعلى، وأشهرها خام برنت الأوروبي القياسي، والخام الأميركي الخفيف، وهما المؤشران المرجعيان لأسعار النفط في العالم. والجدول التالي يوضح اهم هذه التصنيفات.
سوق النفط
ويشرح التقرير آعمل أسواق النفط وهي آلية معقدة من حيث الأطراف الفاعلة والعوامل المؤثرة فيها، والتي لا تكون كلها ظاهرة للعيان أو قابلة للتفسير. ويتكون سوق النفط من المنتجين والمصدرين وكبار المستهلكين، وذلك من خلال المخزوناتها الاستراتيجية وتطوير تكنولوجيات استهلاك الطاقة والسياسات الداخلية المشجعة على توفير استهلاك الطاقة.
ومن المؤثرين أيضاً المشترون والتجار والوسطاء، وصناديق التحوط وصناديق التقاعد والمستثمرون الفرادى.
ويتحدث التقرير كذلك عن التطور التاريخي لتقلبات اسعار النفط بين الهبوط التدريجي والهبوط الحاد، ويبين أن تحديد الاسعار بسوق النفط الخام يتموفقا لمعادلة العرض والطلب بشكل اساسي فضلاً عن عدد من المعايير الاخرى. ويتم يوميا بيع وشراء مئات الملايين من براميل النفط بالأسواق العالمية عن طريق العقود الآجلة او السوق الفورية، وفي نهاية اليوم يتم الإعلان عن سعر التسوية، سواء بأسعار تتضمن زيادة أو نقصانا مقارنة بالأسعار المرجعية.
وتختلف الأسواق الآجلة عن الفورية حيث أن النفط المتعاقد عليه في الأسواق الآجلة ينتج ويسوق ويسلم للمشتري في المستقبل، حتى بعد سنوات من الآن. ويتم ذلك بسعر متفق عليه مسبقاً بغض النظر عن الأسعار السائدة وقت التسليم. وما الأسعار التي تتناقلها وسائل الإعلام إلا أسعار النفط في الأسواق الآجلة للشهر التالي. وتعتبر السوق الآجلة للنفط من أكثر الأسواق نشاطاً في العالم، حيث يتم جني ارباح هائلة في هذه السوق.
يتكون كل عقد في الأسواق الآجلة في بورصة نيويورك مثلا من ألف برميل، على أن تكون نقطة التسليم مدينة كوشينج في ولاية أوكلاهوما بسبب موقعها الاستراتيجي على تقاطع خطوط أنابيب تمكنها من التصدير لكافة أنحاء العالم بسبب وصول هذه الأنابيب إلى الموانئ الأمريكية. يجد المضاربون والمستثمرون فرص ضخمة في الأسواق الآجلة لأنها تمكنهم من جني أرباح عن طريق تداول عقود النفط على الورق فقط حتى يأتي وقت التسليم، بدون القيام بأي عمليات فعلية للشحن والتسليم
ومن خلال تحليل الشكل التالي الخاص بتقلبات اسعار النفط الخام يتضح بان سعر البرميل انخفض في أسواق العالم بنسبة 55% في أقل من سبعة أشهر وهذا يصنف من ضمن الانحدارات الحادة . ومن خلال الشكل البياني يتضح بان الهبوط الحاد بدا مند شهر اكتوبر 2014 في حين الهبوط التدريجي بدأ مند الشهر الاول لسنة 2014
استمرت الاسعار في الانحدار الحاد حتي بلغت ادني نقطة لها في منتصف 2015 ( حوالي 28 دولار للبرميل ) . بعد ذلك شهدت الاسعار ارتفاعا طفيفا لتستقر في مجال يتراوح بين 40 الي 45 دولار في 2016 كما هو موضح في الشكل التالي.
ويشرح اللتقرير كذلك الأسباب الاقتصادية والسياسية وراء التقلبات الحادة في اسعار النفط. ومن الاسباب الاقتصادية زيادة العرض وانخفاض الطلب وزيادة المعروض من ما يسمى النفط الصخري فضلاً عن ضعف النمو في منطقة اليورو وتباطؤه في الصين والبرازيل وارتفاع قيمة الدولار الامريكي.
أما الأسباب السياسية فتتمثل بهشاشة منظمة الاوبك وحرب الاسعار فضلاً عن الضغوط الداخلية التي تسببها حالات من عدم الاستقرار السياسي والأمني، وزمن الاسباب السياسية الأخرى العقوبات التي تفرض على بعض الدول كحالة كل من روسيا وإيران قبل رفع العقوبات.
آثار وتداعيات
ويبحث التقرير كذلك في الآثار والتداعيات للهبوط الحاد في أسعار النفط، ويقسّم التقرير الدول المتاثرة بالانهيار المتسارع في سعر النفط دولَ العالم إلى ثلاث فئات، تمثل الأولى دول المنتجة والمطمئنة التي تتعامل مع الأزمة المستجدة بهدوء وثقة كالسعودية والإمارات، الدول منتجة لكنها قلقة ومتضررة مثل ليبيا العراق سلطنة عمان او إيران التي ترى في هبوط الأسعار إلى أقل من النصف ضرراً على اقتصادها. أما الفئة الثالثة فتضم الدول المستهلكة التي تنعم بالفوائد وتحسب عوائدها مثل الولايات المتحدة والصين وتركيا.
ويعتبر عدد من الدول التي استفادت من انخفاض اسعار النفط ومن بينها التعافي القوي للاقتصاد الأمريكي سنة 2014 يعزي في جزء كبير منه الى لانخفاض فاتورة الطاقة. حيث زاد الاقتصاد في الربع الثالث بنسبة 3.98% وفي الربع الثاني بنسبة 4.6% .
أما في فرنسا فبلغت اسعار المحروقات أدنى مستوي لها منذ اربع سنوات، فضلاً عن هبوط فاتورة الطاقة بـ 5.8 بلايين دولار على الاقل في 2014.
واستفادت الصين من خلال انخفاض معدل التضخم بنسبة 2.2% في اكتوبر 2014 بسب انخفاض اسعار النفط وكل تراجع لا سعار النفط ب 10% سيؤدي الي زيادة الناتج المحلي بنسبة 15%. وساهم هبوط اسعار النفط في اليابان في ضخ سيولة اضافية في الاقتصاد تقدر بحوالي 59 بليون دولار وتراجع نسبة التضخم بنسبة 5%.
دول متضررة
ويعتبر العراق من أبرز الدول المتضررة من انخفاض اسعار النفط إذ أدى تراجع الايرادات في ديسمبر 2014 إلى خفض الاحتياطات الاجنبية من 77 بليون دولار الي 67 بليون دولار وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي كما اضطرت الحكومة لا لغاء المسودة الاصلية لموازنة 2015 ووضع نسخة معدلة تتماشي مع انخفاض الايرادات .
أما بالنسبة لغيران فيشير تقرير صندوق النقد الدولي الي ايران وقعت في عجز مالي يصل الي حوالي 8 بليون دولار تقريبا ومن جانبها اشارت طهران الي ان ذلك يعد مؤامرة سياسية علي ايران ولا يرجع الي اسباب اقتصادية .
وبدوره أعلن البنك المركزي الليبي في تقاريره اشار الي ان ليبيا شهدت عجزا حادا في موازنة 2014 وصل الي 50% وذلك بسبب تدني عوائد النفط الامر الذي انعكس علي الانخفاض الحاد في الانفاق العام وانخفاض قيمة الدينار الليبي في السوق الموازية بنسبة تصل إلى الربع.
وأدى الانخفاض الحاد في عائدات النفط في الجزائر إلى صدور تعليمات الي المؤسسات المالية الي تخفيض الإنفاق العام وتخفيض المساعدات الخارجية للدول الافريقية تقدر بحوالي 50%. كما أشار السيد وزير الطاقة الجزائري إلى تدني عائدات النفط سبب في تراجع موارد البلاد الي النصف تقريبا في 2015 .
وتشير دراسة صندوق النقد الدولي الي ان تراجع اسعار النفط كان العامل الاساسي في انخفاض النمو الاقتصادي الي 0.2% في 2014 كما حدر البنك المركزي من الاقتصاد سوف ينكمش بنسبة 4.8 % في 2015 . وعقب رفض اوبك تخفيض حجم الانتاج في نوفمبر 2015 انخفضت قيمة العملة الروسية الي ادني مستوي لها مند 2009 .
وصلت نسبة التضخم الي حوالي 11% بنهاية 2015 . من جانب اخر مؤسسة فينش قامت بتخفيض التصنيف الائتماني لروسيا في بداية اكتوبر 2015 نتيجة التدهور في الاقتصاد الروسي .
كما شهدت كل من فنزويلا والكويت اثارا سلبية للانخفاض الحاد في اسعار النفط تمثل في عجز في موازناتها بالإضافة الي تقليل الانفاق العام.
تثبيت مستوى الإنتاج
منح المحللون شهادة ميلاد جديدة لمنظمة الاوبك بعد نجاحها في تثبيت مستوي الانتاج للدول الاعضاء والذي وصف بالتاريخي في اجتماع الندوة الدولية للطاقة الذي عقد في الجزائر خلال الفترة 26-28 سبتمبر 2016 . حيث ساهم هذا الاتفاق بالخروج من مأزق الخلافات السياسية وتمكنت من التوصل إلى اتفاق يقضي بتخفيف الإنتاج لأول مرة منذ 8 سنوات أي عندما بدأت الأزمة الاقتصادية عام 2008 حيث كان الاتفاق حين ذاك على خفض الإنتاج، مما مكن الأسعار من العودة إلى الاستقرار و يأمل أعضاء الاوبك أن يكون المآل هذه المرة نفس الشيء
وخلص اتفاق الجزائر بموافقة دول أوبك على تخفيض إنتاج النفط بنحو 750 ألف برميل يوميا وتثبيت مستويات الإنتاج فيما بين 32.5 و33 مليون برميل يوميا. وتشير مصادر بمنظمة أوبك أن المنظمة انه سيتم يتم إعلان التفاصيل الخاصة بتثبيت مستويات الانتاج فى اجتماع رسمي للمنظمة يعقد فى نوفمبر القادم في النمسا لوضع هذا القرار حيز التنفيذ. وبناء علي الاقتراح المقدم من قبل الجزائر والذي ينص علي خفض جميع أعضاء أوبك الإنتاج بنسبة 1.6 بالمئة من متوسط الإنتاج من يناير إلى آب أغسطس مع استثناء ليبيا ونيجيريا وإيران من هذا الاقتراح ، ويسمح لإيران بزيادة الإنتاج إلى 3.7 مليون برميل يوميا وهو أعلى بنحو 0.1 مليون برميل عن إنتاج أغسطس.
أدى الاتفاق التاريخي الذي توصل إليه أعضاء دول أوبك بالجزائر بعد ست ساعات من النقاش المثمر وقرار تحويل الاجتماع من "غير رسمي" إلى "استثنائي" بالإجماع ودون تحفظ، سمح بتسجيل ارتفاع قياسي في أسعار النفط بنحو 6 بالمائة بحسب ما تداولته الوكالات العالمية مباشرة عقب الإعلان عن هذا الاتفاق الهام. فقد ارتفع السعر اعلي من المستوي الاساسي 46.20 تبعه تجاوز مستوى 46.96 وثبت بإغلاق يومي فوقه. هذا الامر سوف يؤدي الي صدق السيناريو الخاص بالتجاه التصاعدي فاتحاً الطريق أمام امتداد الموجة الصاعدة لتستهدف القمة المسجلة مسبقاً عند 49.34.
وبخصوص التوقعات الاستشرافية لمستقبل معدل إنتاج النفط بشان الدول المنظمة، فانه يتوقع ارتفاعا لا سعار النفط بين 60 و 70 دولار خلال 2017 مع استبعاد الوصول الي سعر 80 دولار.
من جانب اخر توقع بنك غولدمان ساكس في نشرته الدورية أن يرفع اتفاق تقليص الانتاج الذي توصل إليه أعضاء منظمة أوبك أمس الأربعاء في الجزائر، أسعار النفط من 7 إلى 10 دولار خلال النصف الأول من العام القادم 2017 . كما أوضح محللو غولدمان ساكس ان "التطبيق الصارم لاتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك في 2017 سيعني تراجع الإنتاج ما بين 480 و980 ألف برميل يوميا" وهو ما سيعني انتعاش الاسعار غير ان محللون يشككون في التزام دول أوبك بتنفيذ الحصص المقترحة إذا اعتمدت، وهو ما يخلق حالة من عدم اليقين في السوق. الامر الذي يترتب عليه الابقاء علي معدلات اسعار تتراوح بين 45 الي 55 دولار للبرميل خلال 2017
ماذا عن السلطنة
بناء علي ما سبق وبالرغم من ان السلطنة ليست عضوا في منظمة الاوبك الا انها تعتمد بشكل كبير علي صادراتها من النفط الخام من حيث تمويل خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعيةإذ يساهم النفط بأكثر من 30% في الناتج المحلي الاجمالي للسلطنة. لذا فان متخذي القرار السياسي والاقتصادي بالمؤسسات الاقتصادية بشقيها الخاص والعام في سلطنة يأخذون هذه التداعيات في الحسبان مع وضع موازنات وخطط اقتصادية يراعي فيها الاسعار المستقبلية والتي تشير الكثير من الدراسات الاقتصادية الي ان الاسعار سوف تظل في محيط 50 دولارا للبرميل حتى منتصف 2017.