هاميش ماكري
ثمة تباطؤ اقتصادي ملحوظ تشهده المملكة المتحدة وربما كان وراءه نذر تشي أن أياما أكثر صعوبة تلوح في الأفق. ولا يرتبط ذلك بالخروج من الاتحاد الأوروبي وان كان الارتباك الذي أحدثه ذلك الخروج لم يكن مفيدا بحال. والأمر لا يقتصر على القارة الأوروبية بل هو عالمي. فبعد سنوات عديدة من النمو الاقتصادي المعقول وان كان متفاوتا، تظهر مؤشرات أن تباطؤا قادما خلال العامين القادمين.
والمشكلة كما هو الحال دائما هي الفصل بين التباطؤ قصير الأمد والتباطؤ طويل الأمد، والشئ الذي نعرفه أن الاقتصادات التي تتمتع بأداء أفضل على المدى الطويل تكون أفضل قدرة على الصمود من الاقتصادات التي كانت تعاني ركودا في السابق، إلا أننا نعرف أيضا أنه مع الانكماش العام قصير المدى يكون من الصعب للغاية على أي دولة أو اقليم أن تنجو من آثاره. وخلال الركود الذي شهده 2008/2009 لم تفلت من آثاره من الدول الأوروبية سوى بولندا فقط.
ولكن ما هو الحال الآن؟ البداية عادة تكون من الولايات المتحدة التي تشهد في نواح كثيرة مؤشرات مقبولة، فهناك فرص عمل جديدة ومعدلات البطالة أقل كثيرا من 5 في المئة، والسوق العقاري منتعش والدولار مرتفع. ولكن نظرة أعمق تكشف نقاط الضعف. فالمستهلك الأمريكي يبدو متراجعا قليلا في ظل تخوف ربما من معدلات فائدة مرتفعة العام القادم، إذا لم يعجل بها هذا العام. وقيمة الأسهم مرتفعة نسبيا مقارنة بالعوائد، ويعود ذلك في جزء كبير منه الى موجات السيولة التي ضخها الاحتياطي الفيدرالي في النظام خلال الانتعاش والانخفاض الكبير في العوائد، وربما يكون ذلك جيدا لو استمرت العوائد في الزيادة، بيد أنها الآن تشهد ارتفاعا تاريخيا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وبطبيعة الحال فإن أي تباطؤ سيؤثر أولا على العوائد.
ولا يتوقع الكثير أن تشهد الولايات المتحدة ركودا، إلا أنه المحتمل بنسبة كبيرة تباطؤ النمو، ويرتبط ذلك بأي انكماش في سوق العمل، وبالطبع فإن تأثيره سيطال أوروبا، فإذا عطس الاقتصاد الأميركي أصيب نظيره الأوروبي بالبرد.
أما أوروبا فهي في حالة لا تحتمل أي تباطؤ من أي نوع، فالبطالة في منطقة اليورو لا تزال أعلى من 10 في المئة، ومع أن هناك مؤشرات للنجاح، لا سيما في ألمانيا، إلا أن الكثير من القارة لا يزال يشهد نموا بطيئا جدا. وربما لا يكون ذلك هو المكان المناسب لرثاء ضعف أداء معظم مناطق جنوب أوروبا أو حتى فرنسا، فتلك مشكلة طويلة الأجل وليست دورية. ولكن إذا نظرنا من الجهة الأخرى نجد أن أوروبا لا يسعها تعويض أي انكماش دوري. وبالطبع فإن ذلك أمرا مخزيا، فأوروبا رغما عن مشاكلها إلا أنها تظل منطقة تجارية ضخمة. والخطر بالأحرى أنها قد تصبح مثل اليابان، لتنخفض مساهمتها – ان لم تنعدم تماما – في الاقتصاد العالمي.
ثم هناك خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، والتنبوءات الكارثية للملكة المتحدة التي يعاد كتابتها الآن بصورة متسارعة، وهناك مؤشر وان كانت محدودة لأمور قد تسير بشكل خاطئ في المملكة المتحدة في الأشهر القليلة المقبلة. إلا أن العام القادم يبدو صعبا، وإذا كان كذلك بالنسبة لنا في المملكة المتحدة، فلن يكون سهلا على أوروبا. وهل تعلم أننا لو أضفنا التجارة المرئية وغير المرئية للملكة المتحدة الى دخل الاستثمار لأصبحت الآن أكبر شريك تجاري لألمانيا؟ نعم هناك بعض الأجزاء من أوروبا لن تتأثر كثيرا إذا قللنا حجم الشراء منها، ولكن الغالبية سوف تتأثر بالطبع.
وستواصل الدول الناشئة السير في طريق النمو، على الرغم من المخاوف بشأن الصين، ومعها سيتجه العالم ككل الى النمو. وهناك شبه القارة الهندية وأفريقيا حيث تسجل معدلات نمو مذهلة للغاية في الوقت الراهن، وهو الأمر الذي لا يحظى بالإحتفاء المناسب في دول العالم المتقدمة.
وأعتقد أنه سيكون هناك نوعا من الانكماش الدوري العام خلال العامين المقبلين، لكنني لا أعتقد أنه سيكون بالغ الخطورة ولن يصل الى الدرجة التي وصل اليها في المرة الأخيرة. ولكن علينا أن نكون واقعيين، وعلينا أيضا أن نقبل بأنه إذا كان هناك انكماش بالفعل فلن يكون هناك الكثير مما يمكن أن تقوم به حكومات العالم والبنوك المركزية. وطبع المزيد من النقود ربما يزيد الأمور سوءا. ولحسن الحظ فالاقتصادات تعالج نفسها ذاتيا، وربما يكون العام القادم بحاجة الى مثل تلك المعالجة.
كاتب عمود رأي بصحيفة الاندبندنت