معاني الأضحي والبر بالأوطان

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٥:٢٠ ص
معاني الأضحي والبر بالأوطان

احمد المرشد

يأخذني عيد الأضحي المبارك الي ذكريات خاصة تعود الي أكثر من خمسة وعشرين عاما، عندما كنت عضوا في لجنة الحج العليا برئاسة سمو الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة وزير العدل والشئون الاسلامية آنذاك آطال الله في عمره، كما كان لي شرف ترأس بعثة البحرين الإعلامية للحج علي مدي خمس سنوات متتالية كنّا نتطلع الي هذه الرحلة المباركة لنسعد بمجاورة رسولنا الأعظم في المدينة المنورة ويكون لنا شرف الطواف بالكعبة المشرفة في مكة المكرمة.. ولا أنسي ما من الله به علي من الدخول الي داخل الكعبة مرتين في عامين متتاليين في يوم غسل الكعبة في الأول من ذي الحجة من كل عام والصلاة داخلها .
أيام جميلة يشعر فيها الإنسان براحة القلب وسكينة النفس مثلما كان آباؤنا وأجدادنا ومن سبقوهم منذ أن فرض الله الحج علي المسلمين لمن استطاع اليه سبيلا، وغالبا ما يلح سؤال صعب في لحظة صفاء مع النفس وأنا استرجع تلك السنون والذكريات :" لماذا ونحن في هذا الشهر الحرام بتنا نري التناحر والصراعات والمؤامرات؟".
سؤالي هذا ليس بالغريب علي أنا وغيري بل وكل العرب، فقد بتنا كمواطنين عرب نمسي ونصبح علي حروب ومآسي ومعاناة ولجوء وتشرد وهجرة، حتي أصبحت أراضينا تضيق بنا وبإخواننا في كل من سوريا واليمن والعراق وليبيا، والخوف من القادم، ولعلي أنا وغيري نري أن هذا القادم قد يكون أسوأ. فالعيد يأتي ويمر ولا يفرح به عربي الآن، وأزماتنا تتوالي وتتزايد، ويتدخل فيها الغريب قبل القريب ليزيدها اشتعالا ونارا.
نحن معشر العرب لن نستطيع العيش بدون استقرار، فالغرب يأبي علينا أن نعيش في أمن وأمان وتعايش سلمي ووفاق وطني يلمنا جميعا، مسلمين ومسيحيين، بشتي طوائفنا، مواطنين علي مختلف قبائلنا ومناطقنا، فالغرب يري أن زعزعة استقرارنا مصلحة له، وبالتالي لا يكل عن زرع الفتن والبغضاء بيننا. وبمناسبة عيد الأضحي المبارك، فلنا أن نتعلم – أي من العيد - معني الوحدة والتآخي والتصالح، فالوحدة سنة كونية، ومنظمة للحياة البشرية و من أصول الدين ومقصدا عظيما من مقاصد الإسلام. والوحدة يلزمها الأمن كمطلب أساسي لجميع المواطنين، وأنا هنا أتحدث عن عالمنا العربي، لاسيما ونحن نعيش فترة عصيبة تمتد من بدايات 2011، أي منذ ما يدعونه ربيعا عربيا، وما نشهده من تقلبات وتحديات سياسية ومجتمعية استتبعها حروب وخراب ودمار، يدفعنا للتفكير مباشرة في كيف نكون موحدين بلا فرقة، وكيف نكون مستقرين بلا عداء.. فالوحدة كهدف تتحقق غدا الأحد في وقفة عرفات، هذه الشعيرة الأساسية لاتمام الحج تدلنا كيف نكون موحدين، فالجبل واحد ونأتيه من فج عميق، والزي أبيض وواحد لا يفرق بين غني وفقير، عربي وأعجمي، فقير وغني، فالمسلم هنا واحد، فقط يتمايز عن غيره بلغة مختلفة وبلد مخالف، ولكن جميع حجاج الله يجمعهم نفس الدين والهدف، وهو الوحدة.
ومن هذا المنطلق، نقول إن أهم مقاصد الشريعة الإسلامية، وما ترمي إليه من خير للبشرية جمعاء، هو الوقوف صفا واحد ضد أي عبث بمقدرات وطننا العربي وأمتنا الإسلامية.. وهنا فقط سنعي جميعا معني ومفهوم "الوحدة" التي يكون نتيجتها الحفاظ على أمن الوطن، سواء الصغير ككل بلد علي حدة، وكوطن كبير يجمعنا جميعا تحت شعار اللغة والثقافة الواحدة مع التاريخ بطبيعة الحال.
لعل من معاني التضحية في عيد الأضحي، أن نعي معني التضحية، فهي في أبسط معانيها، البر بالوطن وحمايته من مؤامرات خارجية وداخلية حتي لا نلوم الخارج فقط، فبعض المتأمرين يعيشون بيننا ومن بني وطننا، فالذي حاك المؤامرات في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها من الدول العربية، ليسوا بغرباء فقط، بل هم من ينطبق عليهم "خوارج الوطن". وهؤلاء هم الطامعين في السلطة والاستحواذ علي مقدرات البلاد، ولهذا فإن من معاني التضحية، الوقوف بشدة وحزم ضد كل من يحاول شن عدوان علي الوطن الصغير أو الكبير ، فالأعداء كثيرون ويتربصون بنا للنيل من وحدتنا ومكتسباتنا وحرياتنا، وهم يعبثون بالتآمر مع "خوارج الوطن" لتفتيتنا لكي نصبح كقطع الشطرنج يسهل تحريكها والقضاء علينا، وبالتالي نسقط نحن كبشر وتسقط أوطاننا والعياذ بالله.
وبالإضافة الي ما سلف، فمن معاني عيد الأضحي المبارك طاعة أولي الأمر كنموذج للعطاء الوطني والإنساني أيضا، فهو السبيل الأمثل للحياة، خاصة وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من تحقيق لوحدة الصف. وهنا يتحقق عنصر الأمن الذي سبق وتحدثنا عنه، فطاعة ولي الأمر تعني الاستقرار والوقوف ضد المغرضين الذين لا يهم لهم سوي العبث بمقدرات الوطن وأمنه، وهؤلاء يريدون شق صف الأمة..وأمامنا وصية لأحد الأئمة الصالحين يقول فيها ما معناه :" صاحب الهوي يدعو على السلطان..وصاحب سنة رسول الله يدعو للسلطان بالصلاح". وربما إذا نظرنا حولنا، نجد أن هذا كلام صحيحا تماما، فعندما تشرذمت القوي السياسية والدينية والطائفية في سوريا واليمن والعراق وليبيا وتفرقت كلمتها وطمعت في السلطة، أصيب أوطانهم بالوهن والضعف وتشتت القوة.
فلنشكر الله عز وجل علي نعمه لنا، ومن ضمنها نعمة عيد الأضحي حيث يتوحد الجميع في الاحتفال بالعيد في نفس اليوم..نعم، إنها نعمة نعيشها وننتظرها كل عام، كفرص لإيثار النفس، ونتعلم منها معني طاعة الخالق، فما كان أعز علي سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء سوي ابنه اسماعيل، الذي بارك رغبة أباه طالما عرف أنها تكليف رباني، فكانت التضحية .
نبعث بتهنئة خالصة للأمتين العربية والإسلامية، ليست تهنئة خاصة بالعيد ولكن بمستقبل أفضل للعرب والمسلمين بعيدا عن الصراعات والعمل ووحدة الصف والكلمة لمجابهة كل المؤامرات.. وعلي مستوي وطننا الغالي، مملكة البحرين الحبيبة، فنحمد المولي عز وجل علي ما وهبه لنا من نعمة جليلة، نعمة القيادة التي تسهر من أجل إسعاد شعبها، قيادة همها الأول عمل كل ماهو في صالح البحرين، ونحمد الله الذي وهبنا قيادة تطبق المثل القائل " إذا إردت السعادة فأسعد الأخرين"، فقيادتنا تسعد بسعادة الشعب وفرحته ، فاللهم أدم الفرح والسعادة والأمن والطمأنينة والاستقرار لهذا الشعب العظيم وقائده

كاتب ومحلل سياسي بحريني