فرح بانديث
أثناء عملي في عهد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون كأول ممثل خاص للخارجية الى المجتمعات الإسلامية، أتيحت لي الفرصة لزيارة المسلمين في حوالي مائة دولة. وهذا الصيف مع تصدر خطب دونالد ترامب المعادية للمسلمين عناوين الصحف، أعود بذاكرتي إلى أحد اللقاءات التي كانت قوية ومثيرة للقلق في نفس الوقت مع تجمع للمسلمين في كمبوديا. انطلقنا في السيارة لساعات عبر الغابة على طريق ترابي ووصلنا إلى قرية تضم عدد قليل من المباني المتواضعة بين الأشجار، بما في ذلك مسجد بسيط بجدران طينية مطلية باللون الأبيض وأرضية ترابية مضغوطة. افترشنا حصر من القش وحولنا تجمع العشرات من السكان، وجلست على الأرض بجانب المترجم وبدأ حديثنا. وسأل الحضور الأسئلة التي ، للأسف، كنت قد سمعتها كثيرا في مجتمعات أخرى مثل: هل المسلمون مواطنون أميركيون بالفعل؟ هل يبصق الأمريكيون عليكم عندما يعرفون أنكم مسلمون؟ هل يمكن للمسلمات ارتداء الحجاب في الولايات المتحدة؟ هل يستطيع المسلمون الصلاة؟ وإذا كانوا يستطيعون فأين؟ ألم تكن هجمات 11 سبتمبر من تدبير اليهود للإضرار بالمسلمين؟ كيف سمح لي بالعمل في الحكومة الأمريكية وأنا مسلمة؟
ثم جاء سؤال لم أكن أتوقعه: هل تيري جونز يمثل أمريكا حقا؟ كان جونز واعظا غامضا في ولاية فلوريدا لا يتجاوز أتباعه 50 شخصا، وكان أول انتشار لسمعته السيئة في عام 2010 عندما أعلن خطته لحرق المصاحف في ذكرى هجمات 11 سبتمبر 2001، وبعدها بعام اقدم بالفعل على حرق المصحف الشريف، مما أثار غضب واضطرابات دولية خلفت عشرات القتلى. بيد أن معظم الأمريكيين قد نسوه، بل ربما لم يعرفوا عنه شئ في الأساس. ولكن في هذه البقة البعيدة في كموديا لم يكن السكان قد سمعوا عنه وحسب بل ويذكرونه بالاسم ويعتقدون أنه يتحدث باسم الأمريكيين.
واليوم بدلا من ذلك الواعظ الغامض الذي استخف علنا بالمسلمين، يخرج زعيم أحد الحزبين السياسيين الرئيسيين في الولايات المتحدة، وهو شخص يدعمه نحو 40 في المئة من السكان، ومع أنه لم يقل أنه سيحرق المصحف، ولكنه يتهم رئيس في منصبه أنه أسس منظمة داعش الارهابية، ويستهزئ بأم مسلمة لجندي أمريكي لقي مصرعه، ويعلن أن الإسلام يمثل تهديدا خطيرا للوطن، ويقترح حظر دخول المسلمين الى الولايات المتحدة. وعلى عكس كلمات جونز فتصريحات ترامب يجري مناقشتها بصورة مكثفة في وسائل الإعلام الرئيسية في جميع أنحاء العالم. وعلى ما يبدو لن تتمكن الولايات المتحدة أن تصلح في وقت قريب ذلك الضرر الذي لحق بصورتها جراء تصريحات ترامب.
لقد أنفقنا مليارات الدولارات منذ 11 سبتمبر في محاولة نقل صورة واضحة منا كأمريكيين لإقناع المسلمين بأن الولايات المتحدة ليست "في حالة حرب" معهم. ووضع الرئيس جورج دبليو بوش المصحف الشريف في مكتبة البيت الأبيض لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، وعين مبعوثا لمنظمة التعاون الإسلامي، وقام بزيارة مساجد أمريكية مباشرة بعد 11 سبتمبر وأعاد افتتاح مسجد كان دوايت ايزنهاور قد وضع حجر الأساس له. وأتبع الرئيس اوباما خطابه في القاهرة عام 2009 بمجموعة من المبادرات لتعزيز الثقة والتواصل مع المسلمين. وكرست سفاراتنا ساعات تفوق الحصر لإقناع السكان المسلمين أن الولايات المتحدة تؤمن بالمساواة والحرية الدينية واحترام الآخرين.
والآن بسبب ترامب، قد ذهب جل النوايا الحسنة التي حاولنا ترسيخها. وفي القرى الريفية كتلك القرية التي زرناها في كمبوديا وفي المدن الكبرى في جميع أنحاء العالم، سيشير المسلمون الى ترامب أنه دليل قاطع على أن الولايات المتحدة تحمل لهم مشاعر الكراهية وأنها في حالة حرب مع الإسلام.
هذا الانطباع له عواقب على أرض الواقع سوف تترجم مباشرة إلى مزيد من الهجمات الإرهابية على مستوى العالم ومزيد من الأرواح المفقودة هنا في الداخل. وبعد أن أمضيت أكثر من عقد من الزمان أتحدث الى عشرات الآلاف من المسلمين، لا شك لدي أن تنظيم داعش وغيره من الجماعات ستجند عددا أكبر من الشباب المسلم بسبب خطب ترامب المعادية للإسلام، وما ينجم عنها من اعتقاد واسع أن الولايات المتحدة في حالة حرب ضد الإسلام. والواقع أن الإرهابيين يخاطبون المؤيدين والمجندين المحتملين الآن ويحثونهم أنهم يقاتلون ضد أمريكا التي تحمل عداءا بغيضا للمسلمين.
ربما يخسر ترامب في الانتخابات المقبلة، بيد أن كلماته المتعصبة حول الإسلام وأحاديثه المختلقة عن تأسيس داعش سيتطلب مئات الملايين من الدولارات وعشرات السنين لمحو أثارها السيئة.
الممثل الخاص للجاليات المسلمة في الخارجية الأمريكية وزميل مساعد في مجلس العلاقات الخارجية.