احمد المرشد
لم تكن زيارة الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبو الغيط لمملكة البحرين مجرد زيارة عادية، فهي الأولي له كأمين عام للجامعة التي تواجه مهمة عسيرة وصعبة وأنواء عديدة، ربما كانت الأصعب في تاريخها منذ نشأتها، حتي أصبحت الأزمات العربية متراكمة وعديدة ومتنوعة ولم تعد تقتصر علي القضية الفلسطينية كأزمة محورية للعرب، ومن هنا نقول أن زيارة أبو الغيط للمنامة تعني الكثير للعمل العربي، فالبحرين هي الدولة التي ترأست الدورة (145) لمجلس الجامعة، وهي الدورة التي شهدت اختيار وزير خارجية مصر الأسبق أمينا عاما للجامعة، ويشهد القاصي والداني دور البحرين وتحديدا لعميد دبلوماسيتها الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة في انتخاب أبو الغيط، ومن هنا كانت أهمية زيارته الأولي لدولة عربية.
لقد أكد عميد الدبلوماسية البحرينية علي مدي اجتماعات وجلسات هذه الدورة (مارس – سبتمبر2016) التي أدارها باقتدار مستلهما خبرته العريقة في العمل الدبلوماسي، أن التحديات التي يواجهها العرب لا تقتصر على المخاطر السياسية والأمنية فحسب، بل هناك الكثير من التحديات الاقتصادية أيضا،ومن هنا كان يشدد معاليه دائما علي أهمية أن يوليها العرب – أي الأزمات الاقتصادية - اهتماما شديدا.
وخلال اجتماعات الدورة، وضع وزير خارجيتنا من خلال موقعه العربي يده علي المشكلة والحل، وتتمثل المشكة في التحديات التي تواجه العرب، وعلي رأسها ظاهرة الإرهاب وانتشار الجماعات الإرهابية، واتخاذ أراضي الدول العربية مقرات لها لنشر فسادها وخطرها وإجرامها، والعمل على زعزعة الأمن والاستقرار بهدف المساس بوحدة العرب وتفريق شعوب الأمة وعزلها عن المجتمع الدولي، عن طريق بث الفتنة الطائفية وتشويه قيم ديننا الإسلامي الحنيف.
ومن استمرار احتلال إيران المتوصل للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، يؤكد دائما وزير خارجيتنا ضرورة استجابة طهران لمساعي الإمارات لحل هذه القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.. ودوما يؤكد معالي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة رفض المملكة والعرب استمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لدولنا، ومساندة الإرهابيين وتدريبهم وتهريب الأسلحة والمتفجرات ومواصلة التصريحات العدائية على كافة المستويات، التي تثير الفتنة الطائفية في مجتمعاتنا. لم يترك معالي الوزير الأمر هكذا بدون توضيح، فكان إصراره علي الإشارة الي أن الجماعات الإرهابية في البحرين ممولة ومدربة من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ، ولم يكتف وزير الخارجية بالبحرين فقط، وكانت إشارته الي ما تعرضت له سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد.. فكل هذه أمثلة تدل على أن إيران لا تكترث بحسن الجوار والروابط الجغرافية والدينية التي تجمعنا بهم، ولا حتى بمبادئ الأمم المتحدة ولا القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
أما عن الأمين العام للجامعة العربية الذي كانت المنامة محطته الأولي عربيا، فقد عكف قبل تسلمه مهام منصبه كأمين عام للجامعة علي قراءة كافة ملفاتها ، ناهيك عن اطلاع مفصل لأعمال لجنة تطوير ميثاقها، ولم يكتف بذلك بل عكف أيضا علي دراسة أوضاع كافة المؤسسات التي تتبع الجامعة ، بالتزامن مع مقابلة كبار المسئولين داخل الجامعة العربية وخارجها ممن يمتلكون خبرة ورؤية في كيفية تعزيز سبل العمل العربي المشترك واستعادة التضامن العربي..لن نقول أن أبوالغيط كان في حاجة الي كل هذه الدراسة المعمقة للجامعة، وإنما ليقترب أكثر من ملفات سيكون مسئولا عنها يوما ما.
نعلم أن من أولي مهام الرجل من واقع خبرته الدبلوماسية وكسئول أول عن الدبلوماسية المصرية لفترة تقترب من ثماني سنوات تقريبا (2004-2011) ، إحياء دور الجامعة العربية وتعزيز قدرتها علي مساندة العمل العربي المشترك.. وإستعادة الهيبة للجامعة وكذلك مكانتها بين المنظمات الدولية والاقليمية ..ليصل الي المهمة الصعبة وهي الخروج من مأزقها الراهن بعد خمس سنوات عصيبة تعرضت لها المنطقة العربية وبالتالي الجامعة، ليس أقلها الخطر الداهم الذي يلاحق دولا عربية مثل سوريا واليمن وليبيا ودولا أخري مثل العراق ولبنان، الأمر الذي يستنزف قدرات العالم العربي مما يؤدي اضعاف مكانته بين الامم.
ومن هنا، نقول إن الأمين العام للجامعة سيصل الي وضع نهاية لهذا المأزق العربي لأنه يضع ملف التضامن العربي نصب عينيه بما يمتلك من رؤية متكاملة لمشروع اصلاحي ضخم، يستهدف احياء دور الجامعة.
ربما نعيد في هذا المقام رأي أبو الغيط في واقعنا العربي، خصوصا وأنه يعترف وبصراحة شديدة بأن الوضع العربي صعب للغاية، ومع ذلك فالرجل مستعد للمهمة الصعبة، وحسب قوله " لا مفر من الإقدام والمبادرة وابتكار الحلول والتفكير الخلاق"..أبو الغيط حدد المهام بالضبط :"المهم أن نبدأ وأن نرفض البقاء في موقف الانتظار، فالمشكلات لن تحل نفسها بنفسها، والمهم أن يشمل التضامن العربي الجميع ويتحول إلي روح جديدة تلزم العرب جميعا تقديم مصالح الوطن العليا علي اية مصالح انية ضايقة".
ومع كثرة التحديات التي تواجه العمل العربي كمؤسسة الجامعة العربية وكدول عربية، نعلم أن الواقع العربي صعب وخطير تختلط فيه المصالح العربية العليا برؤي آنية ضيقة وطموحات وطنية عديدة، وليس غريبا أن يكون أبو الغيط ملما بكل هذه التحديات ومعها أسباب الداء، وبخبرته الدبلوماسية العريقة حدد طبيعة المشاكل العربية الراهنة، ليس توصيفا لها من الخارج فقط، ولكن ليضع الحلول الكفيلة بإنهاء التشرذم العربي، ومن أولوياته إنهاء الحرب اليمنية وإعادة دمج سوريا في العالم العربي من جديد، ومواجهة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي في المشرق العربي (سوريا والعراق) والمغرب العربي (وتحديدا ليبيا) .
إقليميا، يري عميد الدبلوماسية العربية أن السبيل الوحيد للدفاع عن المصالح العليا للأمة العربية هو توحيد الإرادات العربية، ولا مناص عن ذلك في مواجهة الطموحات المتزايدة لإيران وإسرائيل علي حساب العالم العربي. هذا من ناحية، ومن ناحية أخري، فهو يضع يده علي جملة من الضروريات منها: حث الخطي نحو تطبيق معايير الحكم الرشيد في العالم العربي، والتوافق علي ضرورة احترام حقوق المواطنة والاخذ بالنهج العلمي، وبناء مجتمعات عربية قوية تقوم علي العدل واحترام حقوق الانسان والالتزام بتكافؤ الفرص وتشجيع فرص المشاركة السياسية.
وليس آخرا، أجد لزاما علي كراصد للوضع الدبلوماسي أن أصل مباشرة الي دور الدبلوماسية البحرينية في مجمل أداء الجامعة العربية علي مدي الدورة الأخيرة، وكان منفذها الشيخ راشد بن عبد الرحمن آل خليفة سفير مملكة البحرين لدي مصر ومندوبها الدائم للجامعة العربية، وكما ذكرت وطوال الفترة الفائتة وعلي مدي ترأس البحرين للدورة (145) لمجلس الجامعة العربية خلال الفترة (مارس-سبتمبر 2016) ، كان للشيخ راشد جهده الواضح علي أعمال الدورة، حيث اهتم بموضوع التدخلات الإيرانية في شؤون المنطقة الداخلية، واجتمعت اللجنة الرباعية المشكلة للتصدي للتدخلات الإيرانية وأصدرت عدة بيانات تدين تلك التدخلات بالاضافة الي تشكيل فريق عمل من المتخصصين من الدول المشكلة للجنة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والإعلامية
ولعل من المهام الصعبة للدبلوماسية البحرينية في إدارة ملفات الجامعة العربية برئاسة السفير الشيخ راشد بن عبد الرحمن آل خليفة، اجتماع لمجلس الجامعة علي مستوي المندوبين وإصدار قرار عنوانه "التحرك العربي لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية في الجولان المحتل، وكذلك إدانة الاستيطان الإسرائيلي والتأكيد علي الموقف العربي الداعم والمساند لحق سوريا في المطالبة باستعادة أراضيها ، مع مطالبة المجتمع الدولي ممثلا بمحلس الأمن باتخاذ التدابير اللازمة التي تفرض علي إسرائيل الالتزام التام بتنفيذ القرارات ذات الصلة.
اجمالا..لقد لعبت الدبلوماسية البحرينية دورها العربي باقتدار علي مدي الدورة الأخيرة للجامعة العربية، وبما يتراءي مع صون المصالح العليا للوطن العربي وتعزيز سبل العمل المشترك وتقوية أواصر التضامن العربي.
أتمني أن أكون من خلال هذا المقال التحليلي لسياسة مملكة البحرين الخارجية إزاء قضايا الأمة العربية المصيرية، أن يتضح للجميع جهود المملكة لتجاوز التحديات التي تواجهنا.
كاتب ومحلل سياسي بحريني