التدمير الذاتي لترامب

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٣/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
التدمير الذاتي لترامب

اليزابيث درو

لقد قام دونالد ترامب المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري الأمريكي مجددا بإجراء تغيير كبير في إدارة حملته الإنتخابية وبهذا العمل فإن ترامب يكشف للناس المزيد عن نفسه وما يطلق عليه أسلوبه بالإدارة وهذا يفوق ما يريد أن يعرفه الناس عنه. إن قله من الحملات الرئاسية شهدت مثل تلك الفوضى الواضحة والتغيير الكبير في الموظفين .
إن من يدير حملة ترامب الآن هما شخصان لم يديرا من قبل حملة رئاسية ولديهما توجهات سياسية متعارضة .
كيليان كونوي مديرة حملته الإنتخابية الجديدة هي متخصصة في إستطلاعات الرأي والتي كانت تستمد بيانات المسح من التيار اليميني للحزب الجمهوري لسنوات عديدة (لقد إصبح الجناح اليميني هو التيار السائد للحزب الجمهوري لإن الجناح الوسطي قد زال بالأساس) وخلال الإنتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري عملت كعضوة تنفيذية في لجنة العمل السياسية التي دعمت المنافس اللدود لترامب تيد كروز. إن كونوي هي ذكية وحزبية صلبة حيث من المتوقع أن يكون لها تأثير ثابت ومنطقي على الحملة ولو نجحت كونوي في فرض أسلوبها –وأستطاع ترامب التقيد بالمواضيع- سنرى مرشح جمهوري أكثر منطقية وعقلانية.
على الجانب الآخر فإن قرار ترامب تعيين ستيفن بانون كرئيس تنفيذي لحملته الإنتخابية لا ينبىء بالإستمرارية والمنطقية وقبل تعيينه كان بانون الرئيس التنفيذي لبريتبارت نيوز وهي مجلة إلكترونية يمينية متطرفة وقومية متشددة – تؤمن بتفوق العرق الأبيض- وهو معروف بإنه فوضوي مقاتل قد ينحدر لأي مستوى من أجل الفوز.
إن تعيين بانون قد أثار الدهشة لدى التيار الرئيسي للحزب الجمهوري فترامب الذي يتخلف بفارق كبير عن هيلاري كلنتون في إستطلاعات الرأي لشهر أغسطس قد تعرض لضغوطات متزايدة للإقتراب من قيادات الحزب الجمهوري وما لم يتبنى ترامب المقاربة السائدة لدى الحزب الجمهوري فإنه لن يتمكن من جذب البيض الذين يعيشون في الضواحي وهي مجموعة سكانية مهمة لم تقرر بعد كيف ستنتخب .
لكن بانون ليس معجبا بقيادات الحزب الجمهوري فخلال إدارة بانون كانت بريتبارت نيوز عادة ما تهاجم رئيس مجلس النواب بول ريان وفي وقت سابق من هذا الصيف هاجمت بريتبارت نيوز ريان لدعمه مشروع قانون شامل للإنفاق يتضمن تمويل الرئيس باراك أوباما لبرنامج للاجئين السوريين كما هاجمته بسبب إرسال أطفاله لمدرسة كاثوليكية خاصة وحتى إنها دعمت خصم ريان في إنتخابات الكونجرس التمهيدية لولاية ويسكونسن وهو مناصر لترامب علما أن ريان تمكن من هزيمته بإغلبية ساحقة وصلت إلى 84-16% .
لقد قامت بريتبارت نيوز كذلك بإدانة زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش مكونيل حيث نشرت مقالات أتهمته فيه بالضعف في مواجهة كلنتون لأنه يريد أن يحتفظ بعلاقات جيدة مع المتبرعين الذين يعارضون ترامب .
إذن ماذا حقق ثنائي كونواي –بانون ؟ إن الإشارات الأولية توحي بإن كونواي تعمل على تهذيب شخصية ترامب فعلى سبيل المثال عبر ترامب الذي عادة لا يقدم أي إعتذارات مؤخرا عن "أسف" غير واضح لإساءته للناس والأهم من ذلك أن ترامب بدأ بالإبتعاد عن موقفه المتشدد المعادي للهجرة مثل تعهده بإنشاء "قوة الإبعاد " من إجل إعتقال 11 مليون مهاجر لا يحملون وثائق رسمية في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن الإتجاه الذي يتحرك ترامب تجاهه ما يزال غامضا كما من غير المعروف كذلك ما إذا كان أنصاره سيسمحون له بذلك التحول .
على النقيض من ذلك فإنه يبدو أن بانون يريد "ترامب أن يبقى ترامب " حيث يدعم بانون رفض ترامب أن يبتعد عن الطرح الإنقسامي الذي تبناه خلال مرحلة الإنتخابات التمهيدية وتبني مقاربة أكثر رئاسية. إن من المفترض أن بانون يأمل بإن يطلق العنان لترامب من أجل إتباع غرائزه الأساسية بحيث يستمر في توجيه أقذر الشتائم لكلنتون بينما يشتد وطيس السباق الإنتخابي.
إن من غير المرجح أن تؤدي ترتيبات ترامب المتعلقة بالموظفين لمرشح جديد أكثر منطقية فخلال حملته الإنتخابية تأرجح بشكل كبير بين الإتزان والعدائية وأحيانا كان ذلك يحدث في اليوم نفسه .
إن تعيين ترامب لبانون على وجه الخصوص يوحي بإنه يائس وخائف وضائع وعلى الرغم من أنه من غير الواضح مدى رغبة ترامب بإن يصبح رئيسا ، إلا إننا نعلم أنه يكره الخسارة .
لكن يبدو أن ترامب لا يدرك أساسيات السياسة الرئاسية ولا الفرق بين موسم الإنتخابات التمهدية والموسم الرئيسي المتمثل في الإنتخابات الرئاسية فهو ما يزال يتبجح بإنه هزم خصومه الجمهوريين على الرغم من أنه نظرا لكيفية إجراء الإنتخابات التمهيدية فإن هزيمة 16 خصم أسهل من هزيمة واحد أو إثنين .
إن ترامب يخلط أيضا بين أنصاره المتحمسين الذين يحضرون تجمعاته الإنتخابية وبين الناخبين في الإنتخابات الرئاسية حيث يبدو أنه لا يدرك أن ما يقوله لإنصاره المتحمسين يتم الإستماع إليه من قبل العامة وهم أكثر عددا وأقل تعاطفا من هولاء الأنصار .
لقد حل بانون مكان بول مانافورت الذي كان قريبا للنخب التي يحتقرها بانون والذي حاول تقوية علاقات ترامب بهم . لقد إرتكب مانافورت الخطأ الكبير بإن حاول تغيير ترامب وإقناع التيار الرئيسي للحزب الجمهوري بإن بإمكانه السيطرة على المرشح وحتى السياسيين الذي لا يتمتعون بالأنا الضخمة لترامب كانوا ليغضبون من مثل هذا الكلام .
بحلول الوقت الذي تم فيه إستبدال مانافورت ،كان ترامب يتجاهل نصيحته وأستسلم مانافورت وفي الوقت نفسه كان ماضي مانافورت كمستشار وكعضو مجموعة الضغط لمصلحة بعض السلطويين البغيضين حول العالم قد بدأ بالظهور حيث عمل في أحد المرات لمصلحة الرئيس الأوكراني السابق فكتور يانكوفيتش والذي كان دمية في أيدي الرئيس فلاديمير بوتين حيث هرب لروسيا بعد أن تمت الإطاحة به سنة 2014.
لقد بدأت وزارة العدل الأمريكية بالتحقق من نشاطات مانافورت المتعلقة بمجموعات الضغط في الولايات المتحدة الأمريكية بالنيابة عن يانكوفيتش والذي شكل تهديدا آخر للحملة الرئاسية وبينما كان أبناء ترامب المؤثرون يفضلون مانافورت في بادىء الأمر ، إلا إنهم غيروا رأيهم عندما بدأ في جذب إهتمام إعلامي سلبي بما في ذلك أسئلة عن إعجاب ترامب ببوتين والذي يصعب تفسيره حتى الآن وعلى الرغم من خروجه من حملة ترامب ، إلا أن إرتباطاته الأوكرانيه ستكون موضع إهتمام الصحافة لفترة طويلة قادمة .
إن الإنتخابات الرئاسية لسنة 2016 لم تنتهي بعد ،لذا فإن من الممكن أن ينتهي المطاف بترامب في البيت الأبيض ولكن سوء حكمه المتعلق بتقييم الأشخاص والذي ظهر جليا في الأسابيع الأخيرة هو سبب آخر لماذا يشكل فوزه تهديدا خطيرا للديمقراطية الأمريكية .

مساهمة منتظمة في مجلة مراجعة نيويورك للكتب
وهي مؤلفة عدة كتب كان آخرها مجلة : تغطية واترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون .