الفخر: إني قتلت!!

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٠١/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٠:١٩ ص

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com/msrahby
alrahby@gmail.com

لا نحتاج إلى نظرية المؤامرة لتفسير ما يحدث في عالمنا العربي والإسلامي، حتى هذه النظرية تقصر عن وصف ما يصيب الأمة من قتل وتدمير، كون المتآمرين عليها من داخلها أكثر من خارجها، وربما هو القتل بالوكالة، أو بغسل الأدمغة، بما يكفي أن يرفع القاتل الحقيقي رأسه مفتخرا «نحن الذين قتلنا» بينما الأداة لم يبق فيه رأس ليرفعه، لكمية المتفجرات التي مزقته.. في حفل أو مدرسة أو وسط سوق لا يدري كم يبلغ عدد القتلى الذين يرفعون أسهمه ليدخل الجنة شهيدا!

باسم الإسلام يتوزع القتلة في بلاد الإسلام..

وقد عشنا دهرا يقال فيه إن العدو الحقيقي يكمن في إسرائيل، تلك التي اغتصبت الأقصى الشريف، وسرقت أرضا عربية، وشردت واستباحت، لكن آلة الموت تمضي في لعبتها بعيدا عن «العدو» المغتصب إلى ملاعب داخل بلدان عربية جرت استباحتها لتكون مأوى للقتلة ينضمون إليها من كل حدب وصوب!
كأنما القاتل لا يذهب إلى الجنة إلا على فوران الدماء وتناثر الأجساد مع أنها كانت تعيش حالة فرح، أو حياة تبحث عنها، فقراء ينشدون البقاء وسط ظروف يريدونها أن تكون أفضل، فإذا شريك لهم، في المواطنة أو الدين، أو الإنسانية على الأقل، يتبنى شرف قتلهم جماعات، بإحساس أنه يفعل ما يخلّده في نعيم مقيم، مبتغيا رضا الخالق وهو يقتل خلقه، بمأساوية عجيبة.
ماذا تعني هذه الداعشية التي تقتل في كل مكان؟ وتتخذ صورا لها عبر اختراعات متغيرة للقتل، مع التصريح فورا «نحن الذين قتلنا» كأنما أنجزوا للبشرية ما تحتاجه في سياقها الحضاري والعلمي.
ماذا لو ذهب هؤلاء دعاة علم وبناة حضارة، الوقود الذي تحتاجه ديار العرب والإسلام في معركتها الراهنة ضد الأمية والتخلف والجهل، بدلا من الوقود الذي يحرق البشر والحجر؟!
أليس هذا جديرا أن ينالوا به رضا الخالق وهم يرفعون قدر المخلوق بدلا من تمزيق جثته، وبقتل همجي لا يفرّق بين هذا وذاك، إنما القتل بالجملة!
كم هو مريب أن تستمر لعبة الموت في عالمنا العربي كل هذه السنوات، وبذات طريقة اللعب تدخل الدول الكبرى لتكون شريكا مباشرا، بدلا من إلقاء المؤامرة عليها بصورة غير مباشرة، لتقصف وتدمر، والغطاء الأخلاقي متوفر: «قصف الإرهابيين».
ومرعب أن تذهب بلدان العالم إلى مسارات حضارية توفر لها المعرفة والعلم، ويمسك بأطراف النور بما يجعله حصرا له، بينما عالمنا العربي يذهب إلى ردّة حضارية مقيتة تعلي شأن القتل والإجرام، وتحيل الإنسان إلى قاتل أو مقتول، وبرفع شعار الدين الذي جاء ليعظّم مكانة الإنسان، حيّا وميّتا، ويقدّس العلم والمعرفة، حيث قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا.
متى يتحرر العربي من قتلة كهؤلاء، ومن فكر يصنع القتلة، ومن مؤامرات تضع المزيد من هؤلاء في أرض تحتاج إلى التحرر من قيود التخلف أكثر مما تنتجه من وسائل ترسل مواطنيها إلى الموت أفرادا وجماعات.