لماذا تغير موقف واشنطن من حرب اليمن ؟!

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣١/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣٤ م

علي ناجي الرعوي

لم يكن مفاجئا ان نرى وزير خارجية الدولة الاعظم في العالم جون كيري يفيق من غيبوبته بعد عام ونصف العام تجاه ما يجري في اليمن ليطير من واشنطن الى جده حاملا معه خطة لحل الازمة اليمنية لم يخف فيها انزعاجه وانزعاج ادارة البيت الابيض من الحالة الانسانية التي تسببت بها الحرب المشتعلة في هذا البلد والذي اصبح وكأنه يعيش في القرون الوسطى .. مثلما لم يكن مفاجئا كذلك ان يجري الافصاح عن هذه الخطة في نطاق الاجتماع الرباعي الامريكي _البريطاني _ السعودي _الاماراتي الذي عقد يوم 25 اغسطس الماضي في مدينة جده بهدف اقرار (خطة كيري) واعتبارها خارطة طريق للحل في اليمن .. كما لم يكن مفاجئا ان تسعى واشنطن من خلال هذه الخطة الى تقديم نفسها كداعية سلام وليس شريكا ولاعبا اساسيا في الحرب المستعرة في اليمن منذ عشية 26 مارس 2015م لكن المفاجئة التي تحولت الى هدف محوري هي في تأكيد وزير الخارجية الامريكي في المؤتمر الصحفي الذي عقده عقب هذا الاجتماع مع وزير الخارجية السعودي من ان الحل في اليمن لا يمكن ان يكون عسكريا وان المفاوضات السياسية هي الطريق الوحيد لإنهاء الازمة اليمنية.
هذا الطرح لاشك وانه الذي يضعنا في مواجهة اسئلة متعددة تتلهف الى البحث عن اجابات شافية :
هل كانت الولايات المتحدة الامريكية بحاجة الى كل هذا الوقت والى كل تلك التضحيات والخراب والدمار الذي اصاب اليمن كي تدرك من ان الحل في هذا البلد يستحيل ان يكون عسكريا وإنما من خلال التفاوض وجلوس الاطراف المتصارعة على طاولة الحوار والتنازل لبعضها البعض والقبول بما جاء في (خطة كيري) التي استوعبت كما قال صاحبها مطالب كل الاطراف وربطت بالتوازي بين السياسي والعسكري وهو ما يمهد لكبح جماح مثل هذه الحرب ولجمها من عقالها ؟
وهل من المعقول ان الدولة الاقوى في العالم لم تكن تعي قبل 18 شهرا ان حل الازمة اليمنية لن يتم إلا عبر التفاوض السياسي ؟ ام ان المسألة تندرج في اطار تدمير البلدان العربية وزرع الشقاق فيما بينها واستنزاف المال العربي بصفقات السلاح التي يجري استخدامها في حروب كهذه لتصبح الاقطار العربية كلها تعاني من الضعف والتمزق والإحباط وفقدان الثقة ؟
تذكرت هذه المعطيات وأنا اقرأ مقالا في صحيفة نيويورك تايمز يتحدث عن الحرب في اليمن والتي اشار فيه كاتبه الى ان هذه الحرب ما كان لها ان تشتعل من دون حماسة وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي عمل بالتعاون مع سفيرة واشنطن بالأمم المتحدة على اقناع الرئيس باراك اوباما بإعطاء الضوء الاخضر لهذه الحرب والتشجيع على خوضها لكونها ضرورية لهذه الدول من اجل ايقاف تمدد جارتها اللدودة ايران التي تلعب في حدائقها الخلفية بل ان كيري حسب نيويورك تايمز كان حريصا اكثر من غيره من المسئولين الامريكيين على تفجير هذه الحرب لانها من ستشكل بالنسبة لدول الخليج (جائزة ترضية) في مقابل الاتفاق الامريكي_الايراني بشأن الملف النووي الذي جرى ابرامه بعد اسبوع من بدء (عاصفة الحزم).
وبصرف النظر عن مواقف الاطراف اليمنية المتصارعة من (خطة كيري) هل يمكننا اليوم الحديث عن السلام في اليمن في ظل اوضاع يلفها الانقسام السياسي والتشظي المجتمعي والفراغ الامني ؟ وأي اليمن الذي سوف يظهر بعد عاصفة الحزم ؟ هل اليمن المقسمة بين شمال وجنوب ام اليمن الفيدرالية ام اليمن الذي تتقاتل فيه الجيوش والمليشيات على اساس المذهب والمنطقة والقبيلة ؟ ومن سيكون صاحب النفوذ في هذا اليمن او (اليمنات) الجديدة : واشنطن او موسكو ام الرياض ام طهران ؟ ام خليط من كل هؤلاء عوضا عن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وشقيقه تنظيم (داعش) ؟ وأي سلام يرتجى في اليمن القادم والسلاح هو من بات يتجمع في ايادي كثيرة وجيوش متعددة جرى تسليح بعضها بطريقة مريبة ؟ وأي سلام ممكن ان يتحقق في اليمن وهناك العديد من الحروب المفتوحة على اكثر من جبهة على الساحة اليمنية لا يبدو من الواضح ان نهايتها ستكون طبقا لـ (خطة كيري) ؟
المعطى الانتخابي لا يختصر وحده هدف التراجع الامريكي عن دعم الحرب في اليمن كما ان الاوضاع الانسانية المؤلمة والكارثية لا يمكن ان تكون وحدها هي وراء هذا التراجع خصوصا وان امريكا هي من تعتمد منهجية (اللعب على المكشوف) في كل الازمات التي تعصف بمنطقة الشرق الاوسط فلماذا تصر اليوم على حل الازمة اليمنية في الوقت الذي كانت حتى الامس القريب منتشية بعدد صفقات السلاح التي قامت ببيعها على دول الخليج كحصيلة لهذه الحرب التي حصدت حتى الان ارواح الآف اليمنيين والتي سبق وان قال عنها المسئول السابق في الـ (سي آي ايه) بروس ريدل في مقال له بأنها كانت (حربا امريكية) بامتياز.
الحقيقة الموجعة التي يتوجب ان نعيها جميعا وخاصة شعوب بلدان مثل اليمن وسوريا وليبيا التي اكلت الحرب كل عناصر اللحمة فيها بأنه ما كان لواشنطن او غيرها ان يكون لها دور في هذه الحروب لولا انها وجدت ان العرب في حالة رخوة ولا يمتلكون مشروعا وبالتالي فهي من تنفذ اجندتها وتتصارع مع الاخرين على النفوذ في هذه المنطقة عن طريق استخدام العرب في مواجهة بعضهم البعض وحينما تصل الى تحقيق غاياتها فإنها التي يمكن لها ان تعيد ادارة العجلة الى الوراء على النحو الذي يخدم ادبياتها السياسية في المستقبل سواء بالحرب او السلم ولم تكن الحرب الدائرة في اليمن وكذا (خطة كيري) للسلام بمعزل عن تفاصيل تلك اللعبة.
لا مندوحة من الاعتراف هنا ان مجلس الامن الذي تحركه ايدي (الخمسة الكبار) قد تدخل ذات يوم لوقف بيع السلاح لجماعة الحوثي وحلفائها لكن هذا المجلس الذي يمثل العالم المتحضر لم يتدخل حتى ولو افتراضيا لوقف نزيف الدم اليمني الذي يراق يوميا بل ان المصيبة العميقة هي ان يظهر العالم كله متواطئ في هذه الحرب التي حتى وان توقفت فان تأثيراتها وانعكاساتها ستظل تسحب نفسها على الشعب اليمني لعشرات السنيين خصوصا بعد ان اصبح السلاح يباع على الارصفة مثل حزم القات وصارت الساحة اليمنية تعج بعشرات المليشيات والجيوش التي يبدو انها من ستحدد معالم اليمن القادم.
رغم كل هذه العقد والمشاكل ستبقى العين مصوبة على مدى استعداد واشنطن لتكون عنصرا مؤثرا في احلال السلام وإخراج اليمن من مستنقعه الراهن وإعادة الاستقرار الى ربوعه ليس انطلاقا من جانب انساني وإنما لحرصها على ابقاء هذا البلد بعيدا عن المحور الروسي المتأهب لإيصال صوته ورسائله الى صنعاء وربما ابعد منها على اثر نقاط القوة التي يحصدها على الارض السورية.