دافيد إغناتيوس
ملبورن، أستراليا – عندما يتعلق الأمر بالصين، تجد أن أستراليا لديها انفصام في الشخصية: حيث يؤكد المسؤولون الحكوميون على أهمية التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، حتى وإن كان ذلك مزعجا للصين؛ ولكن قادة الأعمال يجادلون بأنه يتعين على أستراليا استيعاب واقع القوة الاقتصادية الهائلة للصين في آسيا.
إنها معضلة حرجة بالنسبة لأستراليا، حيث تتباعد فيها مصالحها الأمنية عن مصالحها الاقتصادية. قال وزير الخارجية الأسترالي جولي بيشوب، في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست: "كثيرا ما يلاحظ أن هذه هي المرة الأولى في تاريخنا التي لا يكون فيها شريكنا التجاري الأول حليفا لنا".
لقد أثار الصينيون سيناريوهات يمكن أن تضطر فيها أستراليا للاختيار بين الولايات المتحدة والصين، كما أوضح بيشوب. "وهذا بصفة عامة يرافقه تحذيرات بأن أستراليا ستحتاج إلى اختيار أصدقائها بعناية، مما يعني ضمنا أن شركائها الاقتصاديين قد يكونون أكثر أهمية من حلفائها الاستراتيجيين".
إن الزائر يواجه نقاشا حول كيفية التعامل مع القوة الصاعدة للصين في كل محادثة تقريبا. إنها معضلة مؤلمة: استفادت أستراليا بشكل كبير من صعود الصين، فحققت نموا اقتصاديا مستمرا دون انقطاع على مدى 25 عاما، يغذيه جزئيا صادراتها إلى الصين؛ ولكن أستراليا لها أيضا تقارب عميق مع الولايات المتحدة وتفخر بسجلها النظيف من دعم الولايات المتحدة عسكريا، في السراء والضراء على السواء.
لقد أصبح هذا التوازن أكثر وضوحا في هذا الشهر عندما قررت الحكومة، لأسباب تتعلق بالأمن القومي، منع مقترح شراء شركات صينية لمشروع "Ausgrid"، وهو المرفق الذي يزود بالكهرباء في ولاية نيو ساوث ويلز التي تضم سيدني. وقد أرسلت السفارة الصينية بيانا لاذعا إلى صحيفة " the Australian" تقول فيه إنها "قلقة للغاية" من رفض استثمارها.
والكثير من رجال الأعمال الأستراليين غير راضين أيضا عن صد القوة الاقتصادية العظمى في المنطقة. ففي حفل عشاء ضم بعض المديرين التنفيذيين البارزين، كانت هناك انتقادات شاملة لقرار الحكومة المتعلق بمشروع "Ausgrid"، والذي أكد كثيرون أن وراءه خوف لا داعي له لدى مؤسسة الاستخبارات من ملكية الصين لجزء من شبكة كهرباء أستراليا.
ولكن رئيس الوزراء مالكولم تيرنبول يفسر هذه الازدواجية: ففي أثناء حياته المهنية كمحام، كان يعمل تيرنبول في كثير من الصفقات المربحة في الصين، ولكن منذ توليه رئاسة الحزب الليبرالي الحاكم في سبتمبر الفائت (وهو حزب محافظ، بالمفهوم الأمريكي) أصبح منتقدا للممارسات الصينية في بحر الصين الجنوبي.
يجادل تيرنبول بأن الانفصال بين الازدهار الاقتصادي والأمن هو انفصال زائف، لأن أستراليا لا يمكن أن تمتلك الأول بدون الثاني. "قال تيرنبول في خطاب له مؤخرا: "إن علاقتنا مع الولايات المتحدة أصبحت أكثر أهمية، وليس أقل، في الوقت الذي يتحول فيه مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو آسيا بلا هوادة".
أما بالنسبة للمسؤولين في الحكومة الأسترالية، فإن الخطر المحتمل من الصين واضح. فهم يرون أن الصين تحت قيادة الرئيس شي جين بينج تسعى على نحو متزايد إلى الهيمنة الإقليمية. وعلى الرغم من رفض مطالبها في بحر الصين الجنوبي الشهر الفائت من قبل لجنة التحكيم الدولية، فقد فازت بكين بحملتها لإنشاء قواعد عسكرية محتملة في الجزر التي استعادتها. ويخشى مسؤولو الحكومة الأسترالية أن الصين تريد التعامل مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنفس الطريقة التعسفية التي تتعامل بها مع شعبها.
يشبّه أحد الخبراء الأستراليين الصعود العسكري للصين بقضية التغير المناخي. فهي عملية تدريجية وربما لا يمكن وقفها؛ والسؤال هو هل يتم محاولة تخفيف آثاره من خلال اتخاذ إجراءات صارمة، أو ببساطة التكيف مع الأمر الذي لا مفر منه؟
إن استعداد حكومة تيرنبول لتحدي الصين يبدو قائما على افتراضين مهمين. الأول هو أن الصعود المستمر للصين ليس أمرا صلبا يتعذر تغييره كما قد يبدو في السنوات الأخيرة. إن النمو الاقتصادي الصيني يتباطأ، والقادة يجدون صعوبة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وإنشاء الاقتصاد القائم على المستهلك الذي تقول بكين إنها تريده. والافتراض الثاني هو أن هناك دول آسيوية أخرى أصبحت قوية جدا أيضا. فالاقتصاد الهندي ينمو الآن أسرع من الاقتصاد الصيني؛ وقد زاد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أندونيسيا بنسبة 50% في العقد الفائت؛ واليابان تعود إلى قوتها ببطء.
قال تيرنبول العام الفائت في أول مقابلة معه بعد أن أصبح رئيسا للوزراء: "ما نحن بحاجة إلى التأكيد عليه هو أن صعود الصين يتم بطريقة لا تخل بالأمن والانسجام النسبي في المنطقة التي يعتمد عليها ازدهار الصين.
وقد أظهر استطلاع للرأي أجراه هذا العام معهد لوي، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية وهو الذي نظم زيارتي إلى أستراليا، أظهر القوى المتنازعة التي تتحكم في أستراليا. فردا على سؤال العلاقة مع أي البلدين هي الأهم، قالت نسبة 43% من المستطلعين إنها العلاقة مع الولايات المتحدة، وقالت نسبة 43% أخرى إنها العلاقة مع الصين.
إن قلب أستراليا ومحفظتها كل يقبع في مكان مختلف عن الآخر. بيد أن هذا الانقسام يمكن التعامل معه، ولكن فقط إذا ظلت الولايات المتحدة حليفا قويا محل ثقة – وهو الأمر الذي يخشى كثير من الأستراليين أن يصبح محل شك في انتخاباتنا الرئاسية في نوفمبر المقبل.
كاتب عمود متخصص في الشؤون الخارجية بصحيفة واشنطن بوست