مسقط – ش
مع كل عام دراسي جديد تُقبل الدول على تحدٍ قد يكون الأهم على الإطلاق في مسيرتها الحضارية، فكافة الأزمات أو التحديات تهون أمام نظام تعليمي قادر على إنتاج كوادر تملك من المهارات والقدرات العلمية والحياتية ما يؤهلها لاجتياز أصعب العقبات، فالإنسان أولاً وأخيراً هو عماد التنمية وأساس المستقبل.
ومع انطلاق العام الدراسي الحالي 2016/2017 ربما يكون من الجيد التذكير بتجارب شعوب أخرى قطعت أشواطاً بعيدة على طريق جودة التعليم واحتلت القمة بدون منازع باتباع فلسفة جديرة بالاحترام والدراسة أيضاً.
حيث صنف نظام التعليم في فنلندا في العام 1960 في المستويات الدنيا أوروبياً وعالمياً، إلا أن القائمين على التعليم هناك لم يعجبهم الأمر فقرروا اتباع أفكار جديدة قادتهم خلال سنوات لتصدر المركز الأول في العالم بجودة أنظمة ومخرجات التعليم في العام 2000 وحتى اليوم.
فماذا فعل الفنلنديون؟
التعليم مجاني في جميع المراحل بما فيها الجامعي، وإلزامي للصفوف التسعة الأولى بدءاً من سن السابعة ويبقى الطالب في نفس المدرسة حتى ينهي المرحلة الثانوية. ويُدرس من قبل نفس المعلم لمدة لا تقل عن 4 سنوات، وفي فنلندا لا يوجد فروق بين المدارس الحكومية إطلاقاً، بينما تراخيص المدارس الخاصة صعبة للغاية ولا تُمنح لأي كان، وليس عليها إقبال إطلاقاً فالتعليم بناء وليس تجارة تدر الملايين على أصحابها.
كما ان عدد أيام الدوام 190 يوماً في العام، وعدد ساعات الدراسة اليومية من 4 إلى 7 ساعات، والواجبات المنزلية لا تحتاج أكثر من نصف ساعة كحد أقصى، وجميع الطلبة في نفس الصفوف بغض النظر عن قدراتهم أو احتياجاتهم الخاصة، ولا يسمح بترك أي طالب يتخلف عن الآخرين.
المدرسون من حملة درجة الماجستير كحد أدنى ولديهم شغف بالمهنة ولا يقومون باختبارات عامة للطلبة خلال السنوات التسع الأولى، فيما يتم تقييم الأداء بناءً على اختيار 10% من كل شريحة عمرية لإجراء الاختبارات عليها، وتحتفظ المدارس بالنتائج بكل سرية، وبعد السنة الخامسة لا يسمح بوضع درجات للطلبة، ولا يسمح بالمقارنة بينهم، فالمعلمون يضعون اختباراتهم الخاصة ويحتفظون بها لأنفسهم بهدف تعديل أساليبهم مع الطلبة الأقل قدرة لتحسين مستواهم دون أن يشعر أحد بذلك.
واليوم فنلندا تعد من أقوى دول العالم في جودة التعليم وفقاً لتقرير التنافسية العالمية 2015، ولذلك تجد أنها الأقدر على التعامل مع الأزمات المختلفة الاقتصادية، الاجتماعية، الطبيعية، والسياسية، والفضل يعود أولاً وأخيراً لنظامها التعليمي الفريد الذي استهدف بناء الإنسان أولاً لكي يستطيع هذا الإنسان أن يبني لاحقاً الحضارة التي يفخر بها.
كل عام وطلبتنا ومعلمينا بألف خير.