خارطة طريق التعليم لسنة 2030

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٧/أغسطس/٢٠١٦ ٠٢:١٠ ص
خارطة طريق التعليم لسنة 2030

عندما زرت مخيم الزعتري للاجئين في الأردن في وقت مبكر من هذا العام، التقيت بأطفال أخبروني ماذا يعني التعليم لهم. فالتعليم بالنسبة للشباب السوريين الذين اضطروا للخروج من منازلهم وخسروا كل شيء، يعني ما هو أكثر من المؤهلات أو نتائج الاختبارات فهو يمثل أملهم بالمستقبل.

إن أطفالاً كأولئك الذين التقيت بهم في مخيم الزعتري وملايين الآخرين حول العالم هم محور عمل المفوضية الدولية لتمويل فرص التعليم العالمية، والتي انضممت إليها في سبتمبر الماضي، علماً أن هذه المفوضية ملتزمة بالهدف الرابع للأمم المتحدة في ما يتعلق بالتنمية المستدامة، والذي يهدف بحلول سنة 2030 إلى «ضمان توفر فرص تعليم شاملة ومتساوية والترويج لفرص التعليم مدى الحياة للجميع».

إن هذا الهدف لا يزال احتمالاً بعيد المنال لأعداد كبيرة من الأطفال، ومع وجود العديد من القضايا التنموية التي تتطلب اهتمامنا، فإن على صناع القرار أن يضعوا في اعتبارهم بأن التعليم ليس جيداً بحد ذاته فحسب، بل هو أيضاً بمثابة الحافز للعديد من مكتسبات التنمية الأخرى.
وكما يقول المثل الأفريقي القديم، عندما تعلم الفتاة فإنك تعلم الشعب بأكمله. لذلك فإن ضمان حصول الأطفال وخاصة الفتيات على التعليم سيؤدي إلى حالات أقل من زواج الأطفال وتشغيل الأطفال واستغلالهم. كما أن للتعليم فوائد مجتمعية بعيدة المدى، فبالإضافة إلى ازدياد المشاركة السياسية، سيكون للأطفال المتعلمين مساهمة فكرية وسوف يسعون للحصول على فرص في مجال ريادة الأعمال عندما يكبرون مما يشكل دافعاً للنمو الاقتصادي.
إن التغلب على التحدي التعليمي يقوم على مبدأين أساسيين يشكلان جزءاً لا يتجزأ من الهدف.
أولاً، «التعليم للجميع» يعني التركيز على الأطفال الذين تخلفوا عن ركب التعليم. فهناك ملايين الأطفال خارج المدارس أو يتلقون تعليماً غير جيد بسبب هويتهم أو المكان الذي يعيشون فيه. وبحسب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، تزداد احتمالية أن يكون الأطفال اللاجئين خارج المدرسة بنسبة خمسة أضعاف مقارنة بالأطفال الآخرين في البلدان التي هاجروا إليها، وكذلك الأمر بالنسبة لجميع بلدان أفريقيا باستثناء بلدين، كما أن فرص الفتيات في أن يكملن تعليمهن الابتدائي تعد أقل من فرص الأولاد. وعليه، فإن إرسال هؤلاء الأطفال للمدارس سيتطلب مقاربات جديدة تتعامل بشكل مباشر مع مسألة إقصائهم وجعل التعليم في متناول أيدي الجميع بشكل حقيقي ومؤثر.

ثانياً «الجودة»؛ إذ يجب أن يكون التعليم فعالاً كي يتسنى للأطفال الاستفادة مما تعلموه. وتشير الأرقام إلى وجود واحد وستين مليون طفل حالياً خارج التعليم الابتدائي ولا يمكنهم الوصول إلى التعليم الرسمي، لكن هناك قضية ملحة أخرى تتمثل في أن أكثر من ثلث الأطفال في سن التعليم الابتدائي -250 مليونا- ليس لديهم أساسيات التعليم بحسب تقرير الرصد العالمي الذي أصدرته اليونيسكو والمتعلق بالتعليم للجميع، علماً أن نصف هؤلاء الأطفال أمضوا في المدرسة أربع سنوات على الأقل. لذلك من الضروري أن نتصدى لمعوقات التعلم سواء في الصفوف المدرسية أو في المنزل، من خلال تحسين جودة التعليم وظروف الصفوف المدرسية وتعليم الآباء كيفية دعم تعليم أطفالهم.

إن دعم هذين المبدأين سيتطلب دون شك المزيد من الاستثمار. حيث قدرت اليونيسكو العام الماضي أنه يتوجب على الحكومات مضاعفة إنفاقها على التعليم كجزء من الدخل القومي من أجل تحقيق أهداف 2030. إن هذا الأمر يتطلب المزيد من الإيرادات من الضرائب، وجهود أقوى لجمع الأموال المستحقة، كما ينبغي على الجهات المانحة كذلك الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بالمساعدات وأن تقدم المساعدات بطريقة أكثر فعالية. على سبيل المثال، فإن أقل من ثلث مساعدات التعليم تذهب لإفريقيا على الرغم من أن المنطقة تضم حوالي ثلثي الأطفال الموجودين خارج المدرسة. كما أن ميزانيات التعليم عادةً ما تكون في حالة تراجع حيث يتم صرف نصف الإنفاق التعليمي تقريباً في الدول الأكثر فقراً على نسبة العشرة بالمائة الأكثر تعليماً في البلاد.

بناء على ما سبق، يتطلب حل مسألة استثمارات التعليم العمل على مجالين مهمين.
أولاً، نحن بحاجة لتمويل منصف مع المزيد من الاستثمارات في الرعاية والتنمية لمرحلة الطفولة المبكرة، حيث يوجد هناك إمكانية أكبر لتحقيق عوائد جيدة. ويجب أن تتركز الميزانيات على الأطفال الأكثر حرماناً، وأن يكون التعليم الابتدائي مجانياً لكي يكون التعلم متاحاً للجميع. كما أننا بحاجة ماسة للمزيد من الشفافية والمساءلة حتى تكون الميزانيات واضحة ويكون للمجتمعات المحلية رأي ودور في إدارة المدارس.
ثانياً، نحن بحاجة لتقوية أنظمة التعليم المحلي، وذلك حتى يتسنى للحكومات أن ترى نفسها كضامنة لتعليم ذي جودة عالية يمكن لجميع مواطنيها الوصول إليه بسهولة عوضاً عن التخلي عن ذلك الدور لصالح وكالات التنمية الخارجية. إلى جانب ذلك، علينا أن نسعى لبناء شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص لتعزيز الموارد المحلية للتعليم والحد من تدفق رؤوس الأموال غير الشرعية التي تحرم الحكومات من الوسائل لتمويل التعليم، من مثل التهرب الضريبي وغسيل الأموال عبر الحدود.
إن مفوضية التعليم ستضع تلك الأولويات نصب أعينها عندما تتقدم بتوصياتها للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 18 سبتمبر، وذلك كي يتلقى الأمين العام تلك التوصيات ويتم التصرف بشأنها. وفي حال تمكنا من تأمين التمويل والإرادة السياسية، ستضمن مفوضية التعليم أن يحصل كل طفل على التعليم بغض النظر عن الدخل أو المكان أو الوضع الاجتماعي، وعملنا لن يكتمل ما لم يتحقق ذلك بالفعل.

رئيسة وزراء الدنمارك السابقة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة أنقذوا الأطفال ومفوضة في المفوضية الدولية لتمويل فرص التعليم الدولي

هيلي ثورنينج –شميدت