محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
malrahby
لا أعرف قشم ولا الطريق إليها..
ولولا التاريخ لما عرفت أنها جزيرة إيرانية تطل على خليج يسمونه الفارسي ونراه عربياً.. كل بحسب الساحل الذي يطل عليه.
ولولا الجغرافيا لما اقتربت منها لأن المدن تبدو لي أجمل حيث فعل الحياة قادر على تقديم المختلف بكثافة في سحنات البشر وتقاسيم الحجر.
لكن صدفة جميلة قادتني إلى قشم وحملتني إليها الحلانيات.. العبارة التي تقطع المسافة من ميناء خصب إلى تلك الجزيرة في ظرف ساعة تمر سريعاً على سطح أزرق.. وهناك غموض المكان وفضول الاكتشاف.
دارت أسئلتي قبل أن تبدأ الخطوة الأولى.. لماذا الرحلة البحرية تسير صباحاً قبل أن تصل رحلة الطيران العماني ليتمكن قاصد جزيرة قشم من الذهاب إليها فوراً لكن رحلة الطيران العماني لا أمان لها كما رأيت حيث دمجت رحلة السابعة صباحاً مع رحلة الحادية عشرة وكانت بجواري أسرة يتذمر ربها أنهم لم يبلغوا بذلك وقد تركوا منازلهم فجراً.
كانت فرصتي لاستعادة ليلة من الجمال كالذي تعرفه مسندم.. والقمر يدرك أجمل بهائه يضيء لسان الماء يمتد مقترباً من البيوت كأنما يسامرها حينما تتعبها قسوة الحبال مع أن جبال مسندم لوحات إبداعية تشكيلاتها باذخة الجمال.
لم تكن قشم بعيدة إنما اكتشافها يتطلب مهارة ليست بذات القرب الممكن فزوارها يلزمهم أخذ احتياطاتهم في العملة المحلية ومحاولة فهم تلك الأرقام الكبيرة كما هي محاولة فهم اللغة وعبور حاجزها رغم أن الحروف عربية والكلمات بها من لغة الضاد الرســـم الواضح قريبا من المعنى.
كانت في مطار قشم قاعة عمان وهي مخصصة لاستقبال الزوار القادمين عبر رحلات الشركة العمانية للعبارات وهناك فترة انتظار لا ضرورة لها لكن الإحساس أنه يمكن عبور المسافة بين دولتين خلال ساعة وعبر البحر وبرحلة ممتعة على العبارة بمستواها الراقي يترك دهشته ويجعل البوابات بعد ذلك سهلة للوصول إلى فنادق معقولة المستوى والسعر.
كنت أحسب أن غرابة اسم الجزيرة على أذني يحيلها إلى بقعة نائية وجافة إلى حد ما من الحياة البشرية يحيط بها البحر لكني وجدت قشم مدينة بها جوامع ومساجد كثيرة ومجمعات تجارية وأسواق قديمة ومطاعم لها إطلالاتها البحرية وحركة تعيشها 69 قرية تضاف إليها القرية قشم التي تحمل اسمها الجزيرة.
كانت سوقا مفتوحة على التجارة الحرة فلا تشبه طهران ولا حتى جارتها بندر عباس التي تفصلها عنها دقائق عبر مشوار بحري بينما هناك مشروع جسر متوقف منذ عشر سنوات بأعمدته على اليابسة لكنها لم تصل إلى الماء بعد.. ليس ببعيد كان قارب صغير يكسر سلطة منع التهريب يحمل امرأة وشابين ينقلون ما يستطيعه القارب من الملابس.. هذه الأرخص في قشم حيث لا ضرائب عليها إلى بندر عباس، حيث يبيعونها أغلى.