الحلقة العربية في سلسلة القيمة العالمية الجديدة (المتصلة)

مقالات رأي و تحليلات السبت ٢٠/أغسطس/٢٠١٦ ٠٣:١٥ ص
الحلقة العربية في سلسلة القيمة العالمية الجديدة (المتصلة)

في ظل السوق العالمية الجديدة المرتكزة على الإنتاج، كيف تنسجم منطقة الشرق الأوسط في هذه السوق المتنوعة المتصلة عالميًّا؟

يستمد الاقتصاد العالمي ديمومته اليوم من سلسلة قيمة عالمية جديدة وهذه السلسلة عبارة عن مجموعة متصلة من الأنشطة والفعاليات والعمليات التي تتيح الفرصة للشركات (أو الأفراد) لإضافة قيمة لمنتج ما (والآن -وعلى نحو متزايد- لخدمة ما) وهي في طريقها إلى السوق.

تحتوي سلسلة القيمة العالمية على مجموعة من الأنظمة الفرعية أو العناصر التي تُعنى بتقديم مجمل (أو بعض) خبراتها وكفاءاتها ومخرجاتها للتأثير على العناصر التي تدور في فلك دورة الأشياء منذ إنتاجها وحتى وصولها إلى المستهلك. أي بمعنى آخر، تحاول الشركات الارتقاء بعمليات الإنتاج وتحقيق الاستفادة القصوى منها من خلال توزيع مختلف المراحل عبر مواقع عالمية مختلفة.

رجاءً! كفى نظريات اقتصادية!

لدينا تخمة في عدد النظريات الاقتصادية - وحتى إذا نظرنا للأمر نظرة خاطفة نجد بأن دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وكل بلد بجامعة الدول العربية تحظى اليوم بمجموعة جديدة من الفرص التجارية التي تُبشر بالنمو والازدهار في ظل اقتصاد عالمي جديد ومتصل أكثر من ذي قبل.

يكمن التحدي عند الحديث عن المنطقة ككيان واحد في أن الشرق الأوسط يحتضن تركيبة متنوعة فيها بلدان تتمتع بمستوى دخل عالي كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ودول ذات مستوى دخل متوسط ونطاق صادرات متنوع مثل مصر، وأخيرًا دول ذات مستوى دخل متدني كاليمن. وعندما تقتصر قدرة كل دولة على الاتصال عبر نقطة مختلفة بسلسلة القيمة العالمية، فسيتعذر الوصول إلى حلول شاملة تناسب الجميع.

وهنا تنشأ مجموعة من الأسئلة حسب قدرة كل دولة على الترابط والاتصال (من حيث النقل والاتصال بالإنترنت) وقواها العاملة الماهرة ودرجة تمتعها بنزعة التدويل وقدراتها المالية ومواردها الطبيعية.

مرة أخرى، تتربع الإمارات العربية المتحدة على القائمة كونها مركز النقل الجوي منقطع النظير على مستوى المنطقة؛ الأمر الذي يثمر عن تعظيم فرص هذه الدولة في الاضطلاع بمكانة أبرز ضمن سلسلة القيمة العالمية. وبالتأكيد لا نتحدث هنا عن المطارات والموانئ ووسائل النقل وحسب؛ بل تجدر الإشارة أيضًا إلى القوى العاملة في الإمارات العربية المتحدة والتي تحظى بأعلى كلفة مقارنة بالدول الأخرى في المغرب العربي على سبيل المثال. وأما بالنسبة للإنتاج القائم على التصنيع الماهر أو نصف الماهر، فيمكن القول بأن مصر والمغرب تحظيان بموقع أفضل من أي دولة في الخليج.

هندسة الانتشار الدولي

نعلم أن سلسلة القيمة العالمية تضم أكثر من مجرد إنتاج المصانع. وقد باتت شركات اليوم تبحث عن سبل تتيح لها هندسة «الانتشار الدولي» لأنشطة سلسة القيمة بما في ذلك التصميم والإنتاج والتسويق والتوزيع وغيرها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تملك الاقتصادات العربية اليوم زخماً ومساحة أكبر لوضع بصمتها على خريطة التجارة العالمية المتصلة عبر الإنترنت؟ بالرغم من ظهور مبادرات ثنائية ودولية طيبة، فلا زالت المنطقة تواجه تحديات وعقبات صعبة.
نذكر على سبيل المثال برنامج التنافسية الخاص بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو البرنامج الذي جمع بين واضعي سياسات مكافحة الفساد والمتخصصين من الحكومات والقطاع الخاص بهدف تحديد الممارسات الجيدة التي من شأنها الارتقاء بمستوى النزاهة في عالم الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبالرغم من وجود هذا البرنامج، فقد أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وجود عدد كبير من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تعاني من عيب في بنيتها وهيكلها يجعل من الصعب عليها الحصول على مصادر التمويل الخارجي.
مما قاله الخبراء في اجتماع مجموعة العمل التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي انعقد في دبي في مارس 2016: «يعد الإقراض المصرفي المصدر الرئيسي للتمويل الرسمي وهو مقيَّد بالبيئة القانونية والتنظيمية متدنية الجودة، ناهيك عن محدودية الأسواق المالية وغياب المنافسة بين المؤسسات المصرفية والمالية».

تطوير الاقتصادات العربية المنفصلة

وهنا يكمن تحدٍ كبير. بُغية تعزيز الحلقة العربية في سلسلة القيمة العالمية، ينبغي إضفاء صبغة دولية أكبر على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم المبادرة والمغامرة. ويختلف الأمر بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات؛ فهي لا تحتاج لمثل هذا التشجيع لأنها شركات متعددة الجنسيات بالفعل.

يجري تنظيم ورش عمل في مختلف بلدان الجامعة العربية بهدف وضع آليات متقنة للوصول إلى سوق اقتصادي أكثر عالمية. ويتركز العمل في هذا الإطار على مجالات معينة مثل معاهدات الاستثمار الدولية ونزاعات الاستثمار والتحكيم. وبفضل مثل هذا النوع من الجهد والاستثمار في مختلف بلدان الشرق الأوسط، سيتسنى لنا تطوير أكثر الاقتصادات العربية اتصالًا وأكثرها قيودًا.
لنأخذ العراق على سبيل المثال، فهذه الدولة تعاني من نقص شديد في التنوع في اقتصادها. وليس من المستغرب اعتماد هذه الدولة على قطاع المحروقات بشكل أساسي، ولكن النمو الاقتصادي طويل الأمد لن يتحقق إلا من خلال توفير قاعدة تجارية أكثر تنوعًا.

مواضيع متكررة للمستقبل

بهدف مواصلة تعزيز الحلقة العربية في سلسلة القيمة العالمية، علينا العمل على مجموعة من مواضيع المتكررة مثل تنمية رأس المال البشري والتمكين الاقتصادي للمرأة واللذان يعتبران في غاية الأهمية. وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فإنه «رغم التقدم الهائل الذي شهده قطاع التعليم على مدار العقود الفائتة، لا تزال مشاركة القوى العاملة النسائية في المنطقة الأقل في العالم بنسبة 24% مقارنة بنسبة 62% في اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

إن عنصرا النزاهة في الأعمال وحوكمة الشركات أيضًا لهما أهمية قصوى. وفي ظل سلسلة القيمة العالمية الجديدة التي اكتسبت صبغة أكثر رقمية، سيكون على الشركات العربية التواجد أو إبداء الاهتمام في السوق الأوروبية وأن تعرف ماذا في جعبة الاتحاد الأوروبي في مجال إدارة البيانات بموجب لائحة الاتحاد الأوروبي العامة لحماية البيانات.
في مقال نُشر مؤخرًا في فوربس لشركة فيريتاس المختصة بحفظ المعلومات أفادت بأن «الشركات العربية العاملة في أوروبا (أو التي تستهدف عملاء أوروبيين) أمامها الآن سنتين لتطبيق الإرشادات والتوجيهات المنصوص عليها في اللائحة. عليهم حصر الجهات المسؤولة عن أمن البيانات وتفصيل كيفية تدفق البيانات بين دول الاتحاد الأوروبي والدول خارج المنطقة».
أفاد مركز جامعة دوك المعني بأبحاث العولمة والحوكمة والتنافسية بأن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة ماسة لمناهج مستدامة لتحقيق النمو الاقتصادي والحد من مكامن الضعف وخلق فرص العمل وتعزيز إنشاء قطاع خاص يتسم بالشمولية والقدرة التنافسية العالية.
وعليه، فإن التحدي هنا هو تحدي عالمي وتحدي رقمي وتحدي متصل عبر الإنترنت. ولكنه في الوقت نفسه قضية محلية ومسألة داخلية وشأن يختص في تمكين القوى العاملة. وفي ظل نمو سكاني يعد من أسرع معدلات نمو السكان في العالم، تعتبر الحلقة العربية في سلسلة القيمة بمثابة شريان الحياة للازدهار في المستقبل.
حان الوقت الآن لتحقيق استمرارية متسلسلة ومتشابكة نحو الداخل والخارج.

- متخصص في شؤون تطوير البرمجيات وإدارة المشاريع والتكنولوجيا