لندن - رويترز
بعد الإجراءات القاسية التي فرضتها بعض الدول الأوروبية لمحاربة الفساد وعمليات التهرب من الضرائب، تسى بعض الشركات إلى إخفاء هوية أصحابها الحقيقيين من خلال تأسيس شركات رديفة أو شركات واجهة تساعد كبار المتمولين على الههرب من الضرائب.
يكشف تحليل أجرته رويترز للبيانات التي قدمتها شركات الواجهة أو الشركات الهيكلية عن احتمال قيام بعضها بالالتفاف على قواعد جديدة ترمي إلى الحد من الفساد والتهرب الضريبي من خلال إرغام الشركات على الكشف عن أصحابها الحقيقيين.
وأشاد مسؤولون أوروبيون بهذه القواعد التي بدأ سريانها الشهر الفائت باعتبارها خطوة رائدة على مستوى العالم في مجال الشفافية للتصدي للجريمة وحثوا الدول الأخرى على الاقتداء بها.
ويقضي النظام الجديد بأن يتضمن ما تقدمه الشركات من بيانات عند تأسيسها وفي كل عام يمر على تأسيسها بغرض توضيح التغيرات في هيكل ملكيتها ومجالس إدارتها تفاصيل عن "الأشخاص النافذين."
ويعتبرالشخص النافذ من يحوز أكثر من 25 بالمئة من الأسهم أو حقوق التصويت في الشركة أو يملك الحق في تعيين أو إقالة أغلبية أعضاء مجلس الإدارة. وتعتبر هذه عملية سلسة بالنسبة لأغلب الشركات.
غير أن بعض أصحاب الشركات يستخدمون وكلاء أو شركات واجهة لأغراض قد تكون مشروعة غير أن حكومات ومؤسسات دولية مثل البنك الدولي تقول إن هذه الشركات يمكنها أيضا أن تفرض ستارا على الجرائم الدولية.
ومن بين 300 شركة واجهة خارجية حددتها وكالة رويترز كان من المفترض أن تنشر 22 شركة قبل الآن معلومات عن ملاك الشركات المستفيدين وذلك لأن تواريخ إعلان بياناتها صادفت الأسابيع التي مرت منذ الأول من يوليو تموز الفائت موعد بدء سريان القواعد الجديدة.
ولم تفعل ذلك سوى شركة واحدة من هذه الشركات. وتكشف الأساليب التي تحايلت بها هذه الشركات لتفادي ذلك وللمرة الأولى عن عدة ثغرات في القواعد الجديدة.
وقدمت 12 شركة منها بيان الملكية السنوي قبل سريان القواعد الجديدة في الأول من يوليو تموز وذلك رغم أن الذكرى السنوية لتأسيسها جاءت بعد ذلك التاريخ. وبهذا استطاعت تطبيق القواعد القديمة التي لا تلزمها بالكشف عن الملاك المستفيدين. وقدمت شركات أخرى بياناتها متأخرة أو قالت إنه لا يوجد ملاك مستفيدون.
ومن الممكن أن يكون لشركات الواجهة أو الشركات الهيكلية أغراض قانونية مثل تسهيل النفاذ إلى الأسواق العالمية أو خدمة عملاء في دول عديدة وليس في ذلك بالضرورة ما يشير إلى أي تعاملات غير سليمة.
الاختباء خلف الشركات
وقال روبرت بالمر مستشار السياسات بمنظمة جلوبال ويتنس الحقوقية إن البيانات تظهر أن الناس ربما يستطيعون الاختباء وراء شركات هيكلية رغم النظام الجديد. وأضاف "من أكبر أخطاء بعض الأنظمة الإدارية الاوروبية أنها قائمة على التقدم الطوعي بالبيانات ولدار الشركات -المسؤولة في بريطانيا عن سجل الشركات- موارد محدودة لملاحقة من لا يلتزمون بتقديم المعلومات أو يقدمون معلومات غير دقيقة."
وردا على سؤال عن الوسائل التي تحايلت بها الشركات على القواعد الجديدة قال دانييل موندين كبير المسؤولين الإعلاميين بإدارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية التي تشرف على هذه العملية إن تنفيذ النظام الجديد سيستغرق وقتا.
"لابد أن نعرف"
قال البنك الدولي في تقرير صدر عام 2011 إن الشركات الهيكلية تحتل مكانا بارزا في قواعد البيانات لحالات الفساد الدولي التي تولت وحدة مكافحة الفساد التابعة له جمعها. وبعد عامين كشف رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون النقاب عن القواعد الجديدة التي ترمي لجعل بريطانيا أول مركز مالي كبير يصر على الكشف عن الملاك المستفيدين. وتبحث الولايات المتحدة حاليا اتخاذ خطوة مماثلة. وقال كاميرون في ذلك الوقت "لابد أن نعرف من يمتلك شركاتنا فعلا ويتحكم فيها. ليس فقط من يملكها من الناحية القانونية بل من يستفيد ماليا فعلا من وجودها."
والشركات التي حددتها رويترز هي إما شركات مسجلة في أوروبا أو شركات ذات مسؤولية محدودة مديروها أفراد يقيمون في الخارج ويمثلون شركات عديدة أو تنضوي تحت لوائها شركات مسجلة في مكاتب قانونية في مواقع ذات ضرائب منخفضة مثل فانواتو وسيشل.
واثنتان من الشركات المعنية وهما بيكنج انفستمنتس وجلوبال كلاستر انترناشيونال تأسستا بعد الأول من يوليو الفائت. ولم تسجل أيا منهما الأطراف المستفيدة.
أخطاء كثيرة
من بين الشركات الواجهة العشرين الأقدم لم تنشر سوى شركة واحدة التفاصيل المطلوبة حتى يوم الأربعاء الفائت. ولم تنشر حتى الآن البيانات السنوية أو تفاصيل الأشخاص النافذين لسبعة من الشركات. ومن الناحية الرسمية أمام الشركات 14 يوما بعد مرور الذكرى السنوية لتأسيسها لتقديم بيانات الملكية لكن البيانات لدى دار الشركات تبين أن الشركات تتقدم متأخرة بها عن ذلك في كثير من الأحيان. ومع ذلك فلم يسبق أن قدم أحد للمحاكمة بموجب المواد المعنية في قانون الشركات لعام 2006.
هذا واختارت 12 شركة تقديم بياناتها قبل الموعد المحدد وتاريخ 30 يونيو حزيران الفاصل. وكانت تلك الشركات تتقدم من قبل ببياناتها فيما بين يوليو تموز وأكتوبر تشرين الأول. وليس لأي من الشركات الاثنتين والعشرين فيما تقدمه من بيانات موقع على الانترنت أو عنوان منشور لمقرها أو أرقام تليفونات للاتصال بها.ورفض مديرون أو أعضاء بالشركات أو وكلاء لها مقيدون على أنهم يقومون بخدمات توصيل البريد التعقيب أو لم يردوا على طلب التعليق.
تقديم البيانات قبل الموعد
عجزت رويترز عن تتبع أي تفاصيل عن نشاط معظم الشركات التي تقدم قبل الموعد أو متأخرة عنه.
وكان الاستثناء الوحيد هو إيان تيلور المقيم في استراليا والمسجل كمدير لشركة جالو آند ماكينزي المحدودة وكان عنوانه المسجل هو شركة لتأجير الصناديق البريدية في وسط لندن. وكانت تلك الشركة من بين الشركات التي قدمت بياناتها قبل الموعد. وعجزت رويترز عن التوصل إلى السبب في ذلك. وفي عام 2009 ساعدت شركة تيلور في تسجيل شركة إس. بي. تريدنج المحدودة وهي شركة مقيدة في نيوزيلندا استأجرت طائرة تم الحجز عليها في مطار بانكوك.
وقالت السلطات التايلاندية إنها عثرت على أسلحة على متن الطائرة موجهة إلى ايران من كوريا الشمالية التي تحظر عقوبات تفرضها الأمم المتحدة تصدير الأسلحة منها.
ومن النادر أن تكون لدى وكلاء تأسيس الشركات فكرة عن أنشطة الشركات كما نفى تيلور أي علم له بأفعال شركة إس.بي تريدنج أو مسؤوليته عنها في بيان لوسائل الإعلام أكد فيه أنه ساعد في تأسيسها.
ولم تعتمد أي حكومة الملاك المستفيدين لشركة إس.بي تريدنج كما أن تيلور ليس معتمدا فيما يتصل بأنشطته الخاصة بتأسيس الشركات.
ويقول تيلور على موقعه الالكتروني إنه يتولى إجراء عمليات الفحص القانوني النافي للجهالة لحساب عملائه وإنه لن يقبل "من الزبائن سوى من لهم مصالح أعمال صادقة."
والكيان الوحيد الذي وصف بأنه شخصية نافذة في الشركات الاثنتين والعشرين التي فحصتها رويترز هو شركة ذات مسؤولية محدودة مكونة من شركتين مسجلتين في مكتب لتأسيس الشركات في مستعمرة بيليز البريطانية السابقة في أمريكا الوسطى.
وذكرت البيانات اسم شخص روسي عمره 27 عاما يعيش في مدينة تبعد 300 كيلومتر إلى الجنوب من موسكو باعتباره الشخص النافذ الوحيد في الشركة.