الاستثمار النووي فى الصين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/أغسطس/٢٠١٦ ٢١:٢١ م
الاستثمار النووي فى الصين

بن تشو

في تقريره عام 1791 عن الصناعة أوضح الكسندر هاملتون، أحد الآباء المؤسسين لأمريكا، أن الحكومة الجديدة في الولايات المتحدة مستعدة لخرق قوانين الدول الأخرى للحصول على المعرفة الصناعية. وكان مشروعا ناجحا، ففي عام 1810 سافر تاجر من بوسطن يدعى فرانسيس كابوت لويل الى جلاسكو وحفظ اليات عمل آلات الغزل والنسيج الجديدة المثيرة للإعجاب، وبعد سنوات قليلة قدم لويل بنجاح الثورة الصناعية إلى أمريكا، وتم تسمية مدينة في ولاية ماساشوستس على اسمه.
وكان الأمريكيون أقل حرصا على هذه القرصنة الفكرية لأنهم الطرف المتلقي. والآن من المستبعد أن تقوم الصين بنفس العمل، أن تسمي مدينة على اسم ألين هو، ولكن ذلك ربما لأنه قد تم القبض عليه أكثر منه لأن بكين لا تقر بما فعله.
يحاكم ألين الآن من قبل وزارة العدل الأمريكية باتهامات بسرقة أسرار التكنولوجيا النووية الأمريكية لصالح الشركة الصينيو العامة للطاقة النووية. ويقال أنه استغل ستة خبراء في المجال النووي في الولايات المتحدة لتحويل المعلومات إلى الشركة بهدف مزعوم وهو تسريع تطوير تكنولوجيا المفاعلات في الصين.
وقال مايكل شتاينباخ من مكتب التحقيقات الفدرالي أن ألين كان يتصرف كعميل لحكومة أجنبية وأن نشاطه كان من الممكن أن يؤدي الى الحاق أضرار كبيرة بالأمن القومي الأمريكي. إلا أنه من الضروري التأكيد على أن موضوع الدعوى هو الطاقة النووية المدنية وليس الأسلحة العسكرية. وشئنا أم أبينا، فالصين تمتلك بالفعل قنبلة ذرية.
وحقيقة أن قضية ألين قد حظيت باهتمام كبير في المملكة المتحدة ترجع الى أن الشركة المذكورة من المزمع ان تقدم تمويل ثلث مفاعل هينكلي بوينت الجديد في سومرست، كما تأمل الشركة أيضا تطوير مصنعا آخر في إسيكس.
وفي الشهر الماضي أوقفت رئيسة الوزراء تيريزا ماي صفقة هينكلي بوينت، كما أن رئيس الاركان الجديد نيك تيموثي سبق أن أثار مخاوف أمنية وطنية حول المشاركة الصينية في البنية التحتية النووية للملكة المتحدة.
والواقع أن 30 في المائة على الأقل من الاقتصاد الصيني يقع بصورة مباشرة أو غير مباشرة في أيدي شركات مملوكة للدولة، وتشير بعض التقديرات أن الرقم يصل إلى 50 في المائة.
ومع أن الشركات الصينية لديها مظاهر الاستقلال الاقتصادي مثل قوائم سوق الأوراق المالية والعلامات التجارية والحملات الإعلانية، وقد تبدو لأي شخص أجنبي مثل أي شركة أخرى خاصة في الغرب، في حين أن الدولة تفرض هيمنتها من وراء الستار.
وتتعالى أصوات مطالبة تيريزا ماي بإلغاء صفقة هينكلي وأن تحذو حذو استراليا التي منعت مستثمرين صينيين قبل أيام من شراء أكبر شبكة كهرباء في البلاد لأسباب تتعلق بالأمن الوطني.
والواقع فهناك أسباب وجيهة كي تعيد لندن النظر في صفقة هينكلي، ليس أقلها أن التكلفة الباهظة لصفقة شراء الكهرباء الموقعة من قبل الائتلاف من المرجح أنها ستفرض على الأسر في المملكة المتحدة على مدى الـ 40 سنة المقبلة أو نحو ذلك. كما أن فكرة أن الصين يمكن أن تقوم بتثبيت برامج حاسوب لاغلاق إمدادات الطاقة النووية في المملكة المتحدة في المستقبل، كما اقترح نيك تيموثي العام الماضي، تبدو وكأنها لقطة من افلام الرعب، بينما يعتقد اللورد ماندلسون أن ذلك سيكون بمثابة انتحار عالمي تجاري للصين أن تقدم على تخريب استثماراتها بهذه الطريقة. ومع أن علينا ألا نستخف باحتمالات تصرفات متهورة من الحزب الشيوعي الصيني، إلا أننا نحتاج في الوقت نفسه أن ننظر الى الموضوع من وجهة نظر بكين.
وأعتقد أننا لسنا بحاجة الى استدعاء نظريات المؤامرة لتفسير السبب الذي يجعل الصين حريصة على الاستثمار في الخارج. وبفضل الطريقة غير المتوازنة التي أدارت بها الدولة الصينية اقتصادها، فقد جمعت أكوام هائلة من احتياطيات العملات الأجنبية. ومع أن هذه الاحتياطيات انخفضت في السنوات الأخيرة لكنها لا تزال عند مستوى استثنائي بـ 3.2 تريليون دولار (أي ما يعادل 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين بأكمله). ومعظم هذه الاحتياطيات تمثل ديون على حكومة الولايات المتحدة بفائدة أقرب الى الصفر.
وتسعى بكين الى تحريك قيمة هذه الاموال من خلال الاستثمار في البنية التحتية للطاقة في الدول الأجنبية. كما تعمل بكين على الارتقاء بسلسلة القيمة من خلال تطوير قدراتها في الهندسة النووية بهدف التصدير.
وهناك ثمة تخوف واضح لدى بكين من الوقوع في فخ الدخل المتوسط (حيث تميل الدول الى النمو بسرعة كبيرة وتصل إلى مستوى معين من الرخاء قبل الركود).
وليس ثمة شك أن بكين تسرق الملكية الفكرية الغربية، ولكن الدافع لتحقيق مكاسب تجارية واقتصادية وليس الهيمنة على العالم. والصين ليست القوة الصاعدة الوحيدة التي تقوم بذلك، ولنتذكر لويل. والمفارقة هي أن الصين ربما تختلس الدراية من الأمريكيين لمساعدتنا في الحفاظ على اضاءة منازلنا هنا في المملكة المتحدة بعد أن فشلت حكوماتنا في توجيه استثمارات كافية لتطوير القدرة على بناء المحطات النووية المحلية.

مؤلف كتاب: الهمسات الصينية: لماذا كل ما تسمعه عن الصين هو خطأ؟