أستمرار الألم اليمني

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٧/أغسطس/٢٠١٦ ٢١:٢٠ م
أستمرار الألم اليمني

علي ناجي الرعوي

الاوضاع في اليمن تتطور بصورة مذهلة .. فخلال الايام القليلة الفائتة تغيرت في هذا البلد الكثير من المصطلحات والتوجهات والمواقف والكثير ايضا من قواعد اللعبة فقد شهدت صنعاء تغييرات ذات طابع جذري تمحورت في بروز سلطة جديدة بالتزامن مع عودة (البرلمان) الذي كان في حكم المجمد منذ نوفمبر 2014م الى الواجهة السياسية ليعلن بمجرد عودته مباركته تشكيل المجلس السياسي الاعلى الذي حل محل اللجنة الثورية التي عينتها جماعة (الحوثي) في اعقاب سيطرتها على العاصمة صنعاء وبما يخول لهذا المجلس ممارسة كافة صلاحيات رئيس الجمهورية .. إلا ان هذه الاجراءات كانت محل رفض حكومة الرئيس هادي التي تحظى بالاعتراف الاقليمي والدولي رغم وجودها في الخارج اذ انها من اعتبرت هذه الخطوة في صيغة لا تخفي التشكيك بشرعيتها قفزة على قرارات مجلس الامن الدولي والمبادرة الخليجية والدستور اليمني متوعدة بمواجهة هذه القفزة بالمضي في الخيار العسكري حتى اسقاط ما وصفته بـ (السلطة الانقلابية) وتحرير صنعاء والمحافظات الاخرى التي تقع تحت سيطرتها.
هذه التطورات لم تتوقف عند تبديد التفاؤل بوصول اطراف الازمة اليمنية الى اتفاق وحل سياسي قريب وحسب بل انها من ابرزت الى السطح معطيات جديدة توحي بان بصيص امل الحل قد تحول الى سراب وان البلاد قد عادت من جديد الى المربع الاول بعد فشل الجهود المبذولة من قبل الامم المتحدة وبعض الاطراف الدولية من اجل اسدال ستار الحرب الداخلية والخارجية المستمرة منذ مارس 2015م وهو مسار رأى فيه الكثيرون اشارات سلبية وإيذانا بان الازمة اليمنية مرشحة للكثير من التفاقم ما لم يتدارك المجتمع الدولي الموقف فيتحرك بجدية لوضع الاسس الكفيلة لمنع تدهور الاوضاع خصوصا بعد ان اختزلت كل الخيارات في الخيار العسكري من قبل الحكومة المعترف بها دوليا والتي تتهم بالاستقواء بهذا الاعتراف وكذا بالإسناد العسكري من دول التحالف العربي لفرض توجهاتها وتصوراتها لحل هذه الازمة.
الاكثرية الساحقة من اليمنيين التي ارهقتها تداعيات الحرب والأوضاع الاقتصادية المتدهورة وما يرافقها من تفاقم للانقسامات الداخلية وتشابك الصراعات السياسية واختلال المعادلة الوطنية وصلت الى حالة من اليأس والقنوط حيال أي افق قادم يضع حدا لمسلسل المآسي والأزمات التي تطحن البلاد والعباد في ظل انشغال المجتمع الدولي عن ما يجري في اليمن وعجزه الفادح عن مساعدة اليمنيين والمتدخلين الاقليميين على صياغة التسوية المناسبة التي تسهم في تحقيق السلام والعودة بالبلاد الى الاستقرار المنشود.
ولعل اكثر ما يثير الاستغراب هو ان يبقى اليمن منتظرا الانفراجات المحتملة بين العواصم الاقليمية والدولية خاصة على محور واشنطن – الرياض مع موسكو – طهران للشروع في حلحلة العقد في الداخل اليمني مع ان امكانية التوصل الى حلول داخلية ترضى عنها عواصم القرار الخارجي مازالت ممكنة في بلد مازال اهله يتمسكون بالعلاقات المتوازنة مع جوارهم العربي في منطقة الخليج ولا يميلون كثيرا الى مقايضته بطرف اقليمي اخر بالنظر الى ما يجمعهم بهذا الجوار من علاقات اجتماعية وأواصر مصاهرة وقربى فضلا عن تشابك الادوار والمصالح وهو الامر الذي قد تترجمه اية تسوية محتملة ضمن صيغ تعاون وتوافق تؤدي الى انهاء اية خلافات طارئة او مزمنة.
يعلم الكل ان الاطراف الاقليمية والدولية تختلف وتتصارع في اليمن كما في سوريا وليبيا وغيرها من بلدان المنطقة ولكنها في الاخير هي من تختلف جميعها على ما يحفظ مصالحها ويصون هذه المصالح وبالتالي فانها من ستتفق في النهاية على ملامح التسوية الكبرى في المنطقة عقب اتفاقها على توزيع الكعكة وطالما ان الامر كذلك فلماذا لا تسارع هذه القوى في الاتفاق على تلك المتطلبات حتى تتفرغ للبحث في اعادة الاستقرار في اليمن والذي بات يتشظى بقوة بعد ان استيقظت في داخله كل شياطين الاقوام والعصبويات الجهوية والمناطقية والمذهبية فهناك في الجنوب سلطة ثالثة بدأت تتشكل وتحكم سيطرتها على محافظاته وتحاول ان تهيمن عليها في انتظار اللحظة التي تعلن فيها الانفصال وإعلان دولتها الموعودة بعد ان اعطيت الفرصة لتشكيل لوحة سياسية جنوبية تشبه الى حد ما الكيان الكردي في العراق.
الحلول التي سعى لها اليمنيون بمعية الامم المتحدة عبر التفاوض في جينيف ثم في الكويت لم تفلح في لجم الحرب وابتداع الحلول والسبب في ذلك لا يعود بدرجة اساسية الى الخلافات وتعارض اجندة الاطراف الداخلية وإنما ايضا الى الانقسامات العمودية الحاسمة ذات الصلة بالانقسامات الاقليمية الحادة بين معسكر (التحالف العربي) من جهة و ايران ومن تحالف معها من جهة ثانية وتلك حالة تشبه حالتي العراق وسوريا مع ان اليمن بقواها الذاتية يختلف كليا عن الحالتين لاعتبارات كثيرة اهمها ان التعدد المذهبي في اليمن لم يصبح بذلك الاستعصاء الذي نجده في العراق او سوريا او لبنان.
وعليه فإذا انتهت الحرب في اليمن بلا غالب ولا مغلوب وذهبت الاطراف المتنازعة او من يمثلها الى مفاوضات للبحث في صيغة توافقيه تحت مظلة دولية فانه يجب التركيز على الحلول السياسية الممكنة اذا ما كانت هناك نوايا صادقة فعلا لإنقاذ هذه البلاد والعبور بها الى بر الامان كما ان من الواقعية ان تركز هذه الحلول على محورين هما : ايقاف العنف والمصالحة السياسية ليتسنى بعد ذلك ايجاد مشروع مارشال لإعادة الاعمار والبدء في الملفات الاقتصادية التي تمس حياة الناس ومعيشتهم ومتطلباتهم اليومية.
برغم صعوبة الحلول السياسية للازمة اليمنية بعد تعقد الامور مع ذلك فلا ينبغي ان تتوقف المحاولات للوصول اليها وعلى الجميع التفكير جيدا في ان الفشل في بلوغ هذه الحلول يعني خروج الامور عن السيطرة ودخول البلاد في نفق مظلم ستكون نهايتها سيئة للغاية ليس على اليمن وحسب وإنما على الاقليم بأكمله.

كاتب يمني