محمد محمود عثمان
أزمة الأمن الغذائي العربي من أخطر الأزمات التي تطل علينا بدون أن نلتفت إليها بموضوعية أو بشكل جدي وتمر السنوات هكذا والمشكلة تتفاقم أكثر وأكثر، ومما لاشك أن هذه قضية من أهم القضايا التي برزت في الآونة الأخيرة وأصبحت واحدة من أهم خمس مشاكل رئيسية تواجه العالم النامي (الغذاء- المياه – البطالة - الديون الخارجية – التلوث )، والتي يحظى وطننا yالعربي بأكبر نصيب منها ، ولعلنا الآن نلتفت من جديد إلى المبادرة التي طرحت بالقمة العربية الأخيرة في نواكشوط التي تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي العربي، من خلال توفير مخزون استراتيجي آمن من السلع الغذائية الاستراتيجية يحول دون نشوء أزمات غذائية مستقبلية، بالإضافة إلى الحفاظ على استقرار أسعار المواد الغذائية بصفة مستدامة، والتي ركزت على قيام رأس المال العربي بدعم البنى التحتية للمشروعات التي تتعلق بالمبادرة وأن تتولى السودان توفير الأراضي والمياه، حيث يمتلك السودان 200 مليون فدان صالحة للزراعة مع مصادر متنوعة للمياه من أنهار وأنهار موسمية ومياه جوفية وأكثر من 103 مليون رأس من الماشية و45 مليون من الدواجن وثروة سمكية تقدر بحوالي 100 ألف طن للمصائد الداخلية و10 ألف طن للمصائد البحرية
في الوقت الذي تبلغ فيه الواردات العربية من المواد الغذائية من الخارج في السنوات الأخيرة نحو 70 إلى 80 مليار دولار سنويا ، مع زيادة عجز الميزان التجاري للزراعة العربية إلى نحو 50 مليار دولار، مما يؤكد زيادة الهوة بين الاستيراد والإنتاج وبين الاستهلاك والإنتاج اعتمادا على الاستيراد من الخارج ، في ظل مقولة نرددها كثيرا وهى "من لا يملك قوته أو غذائه لا يملك حريته" ، وهذا هو التحدي الحقيقي الماثل أمامنا ، والذي يهدد مستقبلنا في المستقبل القريب والبعيد ، وهذا يدعونا بعد أن تأكد فشلنا كعرب أو عجزنا عن تحقيق أي نوع من النجاحات السياسية والاقتصادية ذات الأثر الإيجابي على شعوبنا التي تنتظر منا الكثير حتى يتحقق لها العيش الكريم ،إلى التركيزعلى قيام المشروعات الكبيرة، والصغيرة والمتوسطة التي تستهدف التغلب على الفجوة الغذائية، من خلال السرعة في إقامة شركات متخصصة وقادرة في ذات الوقت على امتصاص ولو جزء من القوى العاملة الباحثة عن عمل في الوطن العربي ، وبمشاركات فاعلة بين الحكومات والقطاع الخاص، وبإرادة صادقة وبعزيمة قوية ،و التأكيد على دور الشراكات والشركات العربية في تنمية المجتمعات التي تقوم فيها حتى تكون شريكا ومساهما أساسيا في التنمية الشاملة ، وفق استراتيجية جديدة تحقق الارتقاء بإنتاجية الزراعة والتصنيع الزراعي والغذائي، وتضع منظومة للتعاون العربي في مجال المعلومات عن الأمن الغذائي بما يشمل إعداد الدراسات والمعلومات وعقد اللقاءات والندوات وتنفيذ المشروعات، مع تسريع تنفيذ البرنامج الطارئ للأمن الغذائي لمواجهة المتغيرات والمستجدات، ولكن ذلك يتطلب تنسيق الجهود العربية بشكل دقيق لتطوير إنتاج المحاصيل الغذائية ، إلى جانب العمل على تحقيق استقرار الإمدادات وتعزيز المخزون ، مع تحديث شبكات النقل ، و تطوير الأسواق المركزية
وتفعيل دور مؤسسات التمويل العربية المشتركة لمواكبة الاحتياجات التمويلية للمشروعات، إلى جانب تفعيل دور المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات للتأمين على مخاطر الاستثمارات، وتحفيز المصارف التجارية لتقديم التسهيلات التمويلية ، لتوفير التمويل طويل المدى والميسر للمشروعات الزراعية ، لسد الثغرة في الاحتياجات الغذائية العربية ، والاعتماد على الذات ،و إزالة المعوقات التي تواجه التجارة العربية البينية في كل القطاعات ،ولا سيما في المنتجات الزراعية والغذائية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، و تكوين قاعدة معلومات استثمارية موحدة والتوفيق بين التشريعات القانونية في مجال الاستثمار في الدول العربية التي تسهم في جذب المستثمرين ، ومن هنا تقع المسؤوليةعلى عاتق كل أصحاب القرار العربي ولتكن وسيلتهم التنفيذية السريعة والعاجلة في ذلك جامعة الدول العربية لإخراجها من حالة الموت السريري التي تعاني منها ،قبل أن نترحم عليها وقبل أن نموت جوعا مع تفاقم الفجوة الغذائية