رسائل اردوغان الغاضبة

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٤/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٦ م
رسائل اردوغان الغاضبة

أ.د. حسني نصر

في أسبوع واحد خرج الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الثلاثاء الفائت من بلاده لأول مرة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة متجها إلى روسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واستقبلت أنقرة يوم الجمعة من نفس الأسبوع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي التقي نظيره التركي مولود جاويد اوغلو. هذا النشاط التركي الخارجي الذي دفع بالرئيس اردوغان إلى ترك أنقرة رغم أن الأمور لم تستقر فيها تماما، أثار أسئلة عديدة في الدوائر العالمية والإقليمية دارت كلها حول دلالته في هذا التوقيت، والنتائج التي يمكن أن يترتب عليه، خاصة على صعيد تشكيل تحالف روسي- تركي- إيراني من شأنه أن يخلط الأوراق في المنطقة والعالم، وقد يؤثر على وضعية تركيا في حلف شمال الأطلنطي، وفرص انضمامها المتعثرة للاتحاد الأوروبي.

ورغم أهمية زيارة وزير الخارجية الإيراني لأنقرة التي تصب في إطار الدعم السياسي لأردوغان وحكومته من جانب، ودعم الاقتصاد التركي من جانب أخر عبر تعزيز التجارة بين البلدين لتصل إلى 30 مليار دولار سنويا، خاصة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، رغم أهمية هذه الزيارة فان زيارة اردوغان لروسيا ومباحثاته التي وصفت بالمثمرة مع الرئيس بوتين كانت أكثر أهمية وأعمق دلالة، بالنظر في نتائجها وتداعياتها واستقبال مختلف العواصم العالمية والإقليمية لها. فقد فتحت هذه الزيارة شهية المحللين ووسائل الإعلام للحديث عن الرسائل التي تضمنتها والنتائج التي انتهت إليها. والواقع أن انفتاح تركيا علي روسيا وايران تؤكد أن اردوغان يبدو غاضبا علي حلفائه الغربيين وربما الإقليميين أيضا الذين كانوا علي استعداد للتضحية به في حال نجاح الانقلاب العسكري، ولهذا بدت زيارته لسانت بطرسبرج التي استهدفت في العلن إعادة ترميم للعلاقات مع روسيا بعد أن كانت قد شهدت تدهورا كبيرا في الشهور الثمانية الأخيرة في أعقاب حادث إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية في نوفمبر من العام الفائت، وما ترتب عليه من عقوبات اقتصادية، حسب وصف صحيفة الفايننشال تايمز بانها ازدراء محسوب للغرب من جانب تركيا، ومحاولة للوقيعة بين تركيا وبين حلفائها في حلف الناتو من جانب روسيا.

وأيا كان توصيفنا لهذه الزيارة فإنها في المحصلة الأخيرة جاءت خيارا لبلدين أرادا أن ينهيا الخلافات بينهما، واستغلا ظرفا مؤاتيا تمثل في مسارعة روسيا بدعم الحكومة الشرعية في أنقرة في الساعات الأولي لوقوع الانقلاب الفاشل، لتكون أول دولة تفعل ذلك حتى قبل حلفاء تركيا الغربيين. ولذلك تذهب بعض التحليلات باتجاه أن اردوغان أراد أن يرد الجميل لبوتين وروسيا من جانب، ويظهر لحلفائه الغربيين أن لديه بدائل أخرى يمكن أن يلجأ إليها، وتحالفات ممكنة يمكن أن يدخلها في حال استمر الترصد الغربي له على خلفية انتقاد إجراءات التطهير التي يقوم بها للمؤسسة العسكرية التركية ومؤسسات الدولة الأخرى. ومع ذلك فان العامل الاقتصادي، في تقديري، كان حاسما في تحديد وجهة اردوغان الخارجية الأولي بعد أن استقرت الأوضاع أو كادت في الداخل. فلا شك أن الانقلاب الفاشل كان له آثاره الاقتصادية الواضحة خاصة على القطاع السياحي وحركة التبادل التجاري مع العالم، ولذلك بحث اردوغان عن أقصر الطرق لتعويض الخسائر المالية وإعادة تنشيط الاقتصاد، فكانت روسيا هي الخيار الأفضل لتخفيف الضغوط الاقتصادية، خاصة وإنها كانت قد أوقفت رحلات سياحها إلى تركيا، وفرضت حظرا على دخول المنتجات الزراعية التركية إليها منذ نوفمبر الفائت. اتخذ اردوغان قرار زيارة روسيا وهو يعلم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لن يستطيعا انتقاد هذه الخطوة، علنا على الأقل، خاصة وان الهدف الأساسي المعلن منها، وهو إعادة العلاقات التجارية مع روسيا إلى ما كانت عليه، يجب ألا يثير غضب الغرب. لذلك لم يخرج سياسي أمريكي او أوروبي منتقدا الزيارة او مطالبا أنقرة بعدم المضي قدما في استعادة علاقاتها الطيبة مع روسيا.

لقد نجح اردوغان من خلال هذه الزيارة في إيصال رسالتين مهمتين إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. الرسالة الأولي انه حتى وان لم يحصل على الدعم الغربي المباشر فان بلاده لن تكون معزولة عن العالم، وان هناك من القوى الكبرى من يقف معها ويساندها، وان مصالح بلاده السياسية والاقتصادية هي المحرك الأول، وان ارتباطها بحلف الأطلنطي ليس زواجا كاثوليكيا، واستمرار هذا الارتباط وعدم البحث عن بديل أخر متاح يتطلب أن يتم التعامل مع تركيا بطريقة مختلفة تحترم إرادة الشعب وتعزز الخيار الديمقراطي له. وفي هذا الإطار لن ينسي اردوغان وشعبه أن رد فعل حلفاؤه المقربين في إدانة الانقلاب ودعم الحكومة المنتخبة كان بطيئا وهو ما أثار جدلا في بعض الدوائر السياسية والإعلامية التركية حول تواطؤ غربي مع الانقلابيين. والملاحظ هنا أن هذه الرسالة وصلت بالفعل إلى المسؤولين ووسائل الإعلام الغربية التي خففت إلى حد كبير من حدة انتقاداتها للإجراءات التي قامت بها حكومة تركيا ضد الانقلابيين.

الرسالة الثانية التي بعثتها زيارة اردوغان لروسيا كانت موجهة إلى الاتحاد الأوروبي الذي يماطل في تنفيذ تعهداته تجاه تسريع انضمام تركيا، وتنفيذ اتفاق اللاجئين الموقع مع الحكومة التركية والذي يتضمن إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة دخول دول الاتحاد خلال ستة أشهر من المقرر أن تنتهي في أكتوبر المقبل. هذه الرسالة التي سبقتها رسائل أخرى تؤكد عزم تركيا على وقف تنفيذ الاتفاق في حال عدم تنفيذ أوروبا الجزء الخاص بها، وتقول إن تركيا لن تبكي كثيرا على عضوية الاتحاد او تأشيرات الدخول، وان البديل سيكون قاسيا وهو الاتجاه شرقا إلى تحالف أخر ربما يكون ثلاثيا مع روسيا وإيران، وهو ما المح له اردوغان في حواره مع صحيفة لوموند الفرنسية قبل زيارة روسيا بيوم واحد عندما قال "إذا لم تلبي طلباتنا فان اتفاقية اللاجئين لن تستمر".

أكاديمي في جامعة السلطان قابوس