زاهي وهبي
هل تتزوج مطلقة أو أرملة؟ هل ترضاها رياضية؟ هل ترتبط بها سافرة؟ هل وهل وهل...؟
هاشتاغات كثيرة من هذا النوع المتخلف المهين للمرأة والرجل معاً ولمعنى الرباط الزوجي يمتلىء بها تويتر، وتثير جدالاً وسجالاً بين المغردين يصلان حدَّ السباب والشتم والنيل من الكرامات بلغة دنيئة مُقزِّزة، واللافت أن كثيرين ينبرون للدفاع عن مطلقي تلك الهاشتاغات المقيتة، ويتبنون ما تضمره من نظرة دونية للمرأة، خصوصاً متى كانت تعمل أو تزاول هوايةً ما، وكأن الحياة وقفٌ على جنس واحد أعلى مسيطر هو جنس الذكور الذين لا يستطيعون رؤية العالم إلا من زاوية ذكوريتهم المتحجرة المفترِضة جهلاً أو تجاهلاً أن المرأة كائن أقل رتبةً ووعياً ومعرفةً من الرجل.
واحدة من أبرز مشاكل المجتمعات العربية تكمن في تلك النظرة الرجعية المتعفنة، وعدم المقدرة على التصالح مع حقيقة أن المرأة كائن يتساوى في إنسانيته مع الرجل، مثلما يتساوى الإثنان في الحقوق والواجبات. حين ندعو الى تساوي الجنسين في الحقوق والواجبات لا نعني البتة أن تتخلى المرأة عن أنوثتها والرجل عن رجولته، بل أن يلتقي الإثنان في مساحة الإنسانية الجامعة الرحبة المتسعة لهما معاً من دون طغيان أحدهما على الآخر. فالحياة تتكامل بهما معاً، ولا يمكنها أن تمضي سوَّيةً صحيَّةً من دون أحدهما لأن الإنسان مثنَّى لا مفرد.
المؤسف، لا بل المفجع أن مضامين تلك الهاشتاغات تمثِّلُ مستوى تفكير شرائح كبيرة من مجتمعاتنا العربية، ومنها شريحة شبابية واسعة، لا تزال ترى الى المرأة بوصفها كائناً غير جدير بالحياة كما ينبغي أن تكون الحياة حرَّةً عادلةً كريمة. هؤلاء لو تسنى لهم العودة الى زمن الوأد لما قصَّروا، أصلاً جُلّ ما فعلوه أنهم استبدلوا الوأد الجسدي بالوأد المعنوي، قتلوا في المرأة أجمل ما فيها: روحها الخلّاقة، حوَّلوا نساءهم الى محضِّ أدوات تكاثر، وراحوا يبحثون عن متع الحياة خارجاً، يعيشون انفصاماً مع بعده انفصام، يتنمَّرون على زوجاتهم وبناتهم وشقيقاتهم، ويمسون نعامات في حضرة خليلات سريَّات. لو عدنا الى أصل المشكلة لوجدنا أسس الخلل في الطفولة بسبب التربية الذكورية القائمة على مفاهيم مغلوطة. يبدأ التمييز بين الجنسين من لحظة الولادة ولا ينتهي بانتهاء الحياة، فالمرأة التي تُظلَم في حياتها تُظلَم أيضاً بعد مماتها خصوصاً في ما خصَّ تركْتِها حيث يعمد الزوج غالباً الى السطو على إرث زوجته المتوفاة ويتصرف به على غير النحو الذي أرادته حيَّةً أو أوصت به. ما أن يخرج المولود الجديد الى النور حتى يبدأ التمييز، منطق المسموح والممنوع لا يساوي بينهما، ولا حتى في الأمور المعنوية كأنْ يُقال للوالد أبا فلان لكن لا يُقال له أبا فلانة إلا نادراً ولدى شرائح محدودة، علماً أن العديد من القبائل العربية كانت تنتسب للمرأة الأم لا للرجل الأب، ونحن هنا لا نفاضل بين الأم والأب ولا نرى المسألة مبارزة بينهما بل تكامل وتناغم أراده الخالق العلي القدير حين جعل الحياة قائمة على الثنائية بين الجنسين، وكل قول غير ذلك إنما هو التفاف على الطبيعة وتحايلٌ عليها.
يتم التعامل مع المرأة وكأنها بضاعة معروضة للبيع(!)، وهذا ليس جديداً على ثقافة التخلف والانحطاط. سابقاً كانت النسوة المكلفات بالبحث عن عروس يقمن بمعاينة "المرشحات" وكأنهن في مسابقة أو إمتحان، أو في سوق بيع وشراء تعرَض فيه الصبايا كالسبايا في سوق نخاسة. ما تغير فقط هو الأداة، باتت الأجهزة الذكية بين أيدي الأغبياء من الذكور ومَن يجاريهم من الإناث، اذ للأسف ثمة نساء يستطبن دور الجواري ويدافعن بشراسة عن جلاديهن، ويبررن الكبت والقمع والتمييز الذي يتعرضن له بذرائع لا يقبلها منطق ولا شرع أو شريعة، وهذه الفئة من النساء أشدّ عنفاً معنوياً ضد بنات جنسها من الرجال أنفسهم.
ينسى أولئك الذين يسألون تلك الأسئلة المتخلفة من طراز هل تتزوج مطلقة أو أرملة أو...الخ، أن المرأة إنسان قبل أن تكون أنثى، تماماً كما هو الرجل إنسان قبل أن يكون ذكراً، وأن لها الحق كله في أن تحيا وتُحب وتزاول هواياتها وأعمالها، مثلما لها الحق في أن تنجح أو تفشل تماماً كما الرجل. فهل ترتكب إثماً أو جريرة اذا خاضت تجربة عاطفية أو زوجية ومنيت بالفشل؟ هل يُحرِّم أولئك المتزمتون ما حلَّله الله؟ ألا يعلمون أن الأنبياء والرسل بما فيهم خاتم الأنبياء وسيد المرسلين قد تزوجوا من أرامل ومُطلقات، أو من نساء زاولن التجارة وقرضن الشعر وخضن الحروب، بل ينسى أو يتناسى أعداء المرأة أن ثمة نساء حكمن ممالك، وأدَرْنَ دفة الحكم بعزم وحزم واقتدار، ولا تزال سيرهن على لسان التاريخ.
ربما يكون مَن يُطلِق تلك الهاشتاغات متخلفاً عقلياً، لكن الطامة في الذين يتفاعلون معه، التعليقات التي نقرأها تكشف عن كارثة حقيقية في مستوى الوعي والثقافة والنظرة الى الشريك. فضلاً عما يضمره هذا الأمر من إساءة للمرأة ولإنسانيتها ودورها الجوهري في الحياة ، فإنه يضمر أيضاً فهماً رجعياً للزواج ولطبيعة الشراكة بين قطبيه المفترض أنهما يتساويان في الحقوق والواجبات بما يحفظ خصوصية كل منهما.
يغرقنا أصحاب العقول المقفلة بآرائهم وأفكارهم الرجعية بشأن المرأة والارتباط الزوجي الذي يسمو الى حدود القداسة، ولا ينقصنا سوى أن يتساءلوا: هل تتزوج إمرأة؟