كليفورد كراوس
مرت صناعة النفط بتاريخ طويل من الازدهار والركود، ولكنها الآن تمر بأعمق تراجع لها منذ تسعينيات القرن الفائت، إن لم يكن قبل ذلك.
لقد انخفضت الآن أرباح الشركات التي كانت تحقق أرباحا قياسية في السنوات الأخيرة، مما أدى بتلك الشركات إلى سحب أكثر من ثلثي منصات الحفر التابعة لها من الخدمة وكذلك التخفيض الحاد لاستثماراتها في مجال الاستكشاف والإنتاج. وهناك العشرات من الشركات أفلست وما يقدر بنحو 250000 عامل في مجال النفط قد فقدوا وظائفهم.
والسبب في ذل هو انخفاض سعر برميل النفط، الذي انخفض عند نقطة معينة إلى أكثر من 70% مقارنة مع مستويات يونيو 2014.
وقد انتعشت الأسعار مرات قليلة خلال العام الفائت، ولكنها تنخفض مرة أخرى وهي الآن تحت المستوى الذي يحتاجه المنتجون من أجل حفر آبار مربحة.
ويعتقد التنفيذيون أن الأمر سيستغرق سنوات قبل أن يعود سعر النفط إلى تسعين أو مائة دولار للبرميل، ذلك السعر الذي كان إلى حد كبير هو القاعدة خلال العقد الفائت.
فلماذا إذن انخفض سعر النفط في المقام الأول؟ هذا سؤال معقد، ولكن إجابته تتلخص في مفهوم اقتصادي بسيط هو مفهوم العرض والطلب.
لقد تضاعف تقريبا الإنتاج المحلي للولايات المتحدة على مدى السنوات القليلة الفائتة، مما قلل من وارداتها من النفط التي تحتاج الآن إلى أن تجد لها مأوى آخر غير الولايات المتحدة. وأصبح النفط السعودي والنيجيري والجزائري الذي كان في يوم من الأيام يباع في الولايات المتحدة، أصبح يتنافس فجأة على الأسواق الآسيوية، وبذلك أصبح المنتجون مضطرون لتخفيض الأسعار. وإنتاج وصادرات النفط الكندي والعراقي يزداد عاما بعد عام. بل حتى الروس، مع كل مشكلاتهم الاقتصادية، نجحوا في الحفاظ على ضخ مستويات قياسية من النفط.
ولكن رغم ذلك هناك مؤشرات على أن الإنتاج آخذ في الانخفاض بسبب انخفاض الاستثمارات في عمليات الاستكشاف. وقد قدرت مؤسسة " RBC Capital Markets " أن المشروعات القادرة على إنتاج ما يزيد على نصف مليون برميل تم إلغاؤها أو تأجيلها من قبل دول أوبك وحدها في العام الفائت، وهذا العام يعد بمزيد من نفس هذا التوجه.
أما على جانب الطلب، فإن اقتصادات أوروبا والبلدان النامية ضعيفة والسيارات أصبحت أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. ولذلك فإن الطلب على الوقود تراجع قليلا، رغم أن هناك مؤشرات على أن الطلب يتزايد في الولايات المتحدة.
من المستفيد من انخفاض الأسعار؟ أي سائق يمكن أن يخبرك أن أسعار البنزين قد انخفضت. كما أن أسعار الديزل وزيت التدفئة والغاز الطبيعي انخفضت انخفاضا حادا أيضا.
والانخفاض الأخير في أسعار الطاقة يساعد بشكل غير متناسب الفئات ذات الدخل المنخفض، لأن تكاليف الوقود تلتهم حصة أكبر من دخولهم المحدودة.
ومن الخاسر؟ في المقام الأول، الدول المنتجة للنفط. فنزويلا ونيجيريا والإكوادور والبرازيل وروسيا، هي مجرد بضعة دول نفطية تعاني من اضطرابات اقتصادية وسياسية.
وقد تسببت العقوبات الغربية على إيران في انخفاض إنتاجها من النفط بنحو مليون برميل في اليوم في السنوات الأخيرة ومنعت إيران من استيراد أحدث تقنيات ومعدات حقول النفط. ولكن بعد رفع العقوبات الآن، فتحت صناعة النفط الإيرانية صنابيرها على الإنتاج.
ماذا حدث لأوبك؟ خلال العام الفائت، ضغطت كل من إيران وفنزويلا والإكوادور على منظمة أوبك لتخفيض الإنتاج للمساعدة على تثبيت أسعار النفط. وفي نفس الوقت، تقوم العراق بضخ المزيد، ومن المتوقع أن تصبح إيران مصدّرا رئيسيا مرة أخرى.
وقد قررت دول أوبك، في اجتماع عقد مؤخرا، عدم إجراء أي تغيير، مشيرة إلى الارتفاع الأخير في الأسعار.
وقال محللون إن تحديد سقف للإنتاج قد لا يكون له قيمة كبيرة في تنظيم الأسعار، وذلك لأن العديد من كبار المنتجين، بما فيهم المملكة العربية السعودية، يضخون بالفعل قريبا قدرتهم القصوى.
هل هناك مؤامرة لتخفيض أسعار النفط؟ هناك عدد من نظريات المؤامرة يتم إشاعتها. وحتى بعض المسؤولين التنفيذيين في شركات النفط يشيرون إلى أن السعوديين يريدون الإضرار بكل من روسيا وإيران، وكذلك تفعل الولايات المتحدة – وهو دافع كاف لهاتين الدولتين المنتجتين للنفط لتخفيض أسعار النفط. إن تخفيض أسعار النفط في ثمانينيات القرن الفائت ساعد على إسقاط الاتحاد السوفييتي.
ولكن ليس هناك دليل يدعم نظريات المؤامرة، والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة نادرا ما ينسقان فيما بينهما على نحو سلس.
متى يحتمل أن تعود أسعار النفط إلى سابق عهدها؟ لقد تعافت أسواق النفط بشكل كبير منذ أو وصل سعر النفط إلى أدنى مستوى له بقيمة 26.21 دولار للبرميل في نيويورك في أوائل فبراير الفائت. وقد كان هناك تعافي مماثل في الربيع الفائت، ولكنه لم يستمر.
وهناك بعض المحللين مازالوا يتشككون في طول المدة التي يمكن أن يظل فيها التعافي الحالي مستداما، لأن سوق النفط العالمي لا يزال العرض به يفوق الطلب بشكل كبير. وفي الولايات المتحدة، المخزونات المحلية في أعلى مستوياتها منذ عقود.
ولكن على المدى الطويل، فإن الطلب على الوقود يتعافى في بعض البلدان، وهذا يمكن أن يساعد على تعافي أسعار النفط في العام أو العامين المقبلين.
كليفورد كراوس هو المراسل الاقتصادي لصحيفة نيويورك تايمز.