أندرس أسلوند
في شهرتموز الفائت، أصدر مكتب التقييم المستقل في صندوق النقد الدولي تقريرا رئيسيا حول كيفية تعامل الصندوق مع أزمة اليورو بعد عام 2010. وينتقد تقرير مكتب التقييم المستقل سلوك الصندوق، ولكن كما كانت حال تقارير التقييم الذاتي الصادرة عن صندوق النقد الدولي في الماضي، يغفل التقرير الأخير العديد من القضايا الجوهرية.
عل وجه التحديد، يزعم مكتب التقييم المستقل أن الصندوق كان أسيرا للمصالح الأوروبية ــ وهو ليس بالأمر المستغرب إذا ما علمنا أن الأوروبيين يشكلون ثلث المجلس التنفيذي للصندوق. وعلاوة على ذلك، أخطأ الصندوق عندما افترض أن "أوروبا مختلفة"، وأن "التوقف المفاجئ من غير الممكن أن يحدث داخل منطقة اليورو".
في خضم أي أزمة مالية، يتعين على السلطات أن تسارع إلى معالجة المشاكل التي أحدثت الأزمة واستعادة الثقة. وقد فعلت حكومة الولايات المتحدة هذا على وجه التحديد في خريف عام 2008؛ أما الزعماء الأوروبيون فقد ترددوا ــ وهي النقطة التي أغفل مكتب التقييم المستقل ذِكرها.
ولا يتطرق تقرير مكتب التقييم المستقل أيضا إلى تقييم فعالية برامج صندوق النقد الدولي. ولنتأمل هنا حالة اليونان، حيث كانت استجابة الصندوق غير كافية بشكل واضح. ففي عام 2009، كان عجز الموازنة اليونانية 15% من الناتج المحلي الإجمالي؛ ومع برنامج صندوق النقد الدولي، انخفض العجز في عام 2010، ولكن إلى 11% فقط من الناتج المحلي الإجمالي. في الوقت نفسه، نجحت دول البلطيق الثلاث ــ استونيا ولاتفيا وليتوانيا ــ في إحكام الميزانية بما يعادل 9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009.
كان صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي غافلين لفترة طويلة عن العديد من الأعباء المالية المفرطة في دول الاتحاد الأوروبي. فكان الصندوق متساهلا في التعامل مع اليونان لأن اليونان عضو في منطقة اليورو؛ ولكن هذه المحاباة كانت غير مبررة ومكلفة في نهاية المطاف. منذ عام 2010، تقلبت النفقات العامة اليونانية بين 50% و59% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي أفضى إلى خلق أعباء ديون هائلة وإعاقة النمو. وعلى سبيل المقارنة، حافظت ألمانيا والمملكة المتحدة على النفقات العامة عند مستوى معقول (44% من الناتج المحلي الإجمالي).
يتجاهل تقرير مكتب التقييم المستقل كل هذا ويركز بدلا من ذلك على الحاجة إلى إعادة هيكلة الدين العام بهدف جعله مستداما. ولكن هذا لا ينطبق بالضرورة على اليونان في عام 2009، عندما كان دينها العام أعلى ــ عند مستوى 127% من الناتج المحلي الإجمالي ــ ولكنه لم يكن غير قابل للاستدامة. ولم يرتفع الدين اليوناني بشكل كبير ويصبح من المتعذر التغلب عليه إلا في ظل خطة تمويل صندوق النقد الدولي التي اكتملت في مايو/أيار 2010. وفي نهاية عام 2015، كان دين إيطاليا العام 133% من الناتج المحلي الإجمالي؛ وكانت النسبة في البرتغال 129%. فهل ينبغي الآن إرغام إيطاليا والبرتغال على إعادة هيكلة ديونهما أيضا؟
الواقع أن الاقتصاد الأوروبي ينمو ببطء بسبب فرط الضرائب وفرط التنظيم. وبدلا من مطالبة الدول الأوروبية بإعادة هيكلة ديونها، ينبغي مطالبتها بتحرير أسواق العمل والإنتاج والخدمات؛ ولابد من مطالبة دول الجنوب، مثل إيطاليا واليونان وأسبانيا والبرتغال، بتوسيع نطاق التعليم الثانوي والتدريب المهني. وكما يوضح مثال البلطيق، فإن المسارعة إلى فرض التعديلات المالية من الممكن أن يدفع التغييرات الهيكلية.
ولكن بدلا من ذلك، يخلط صناع السياسات بين الغابة والأشجار، كما يبين تقرير مكتب التقييم المستقل. وينبغي لأي بيان للرقابة الاقتصادية الأوروبية في السنوات الأخيرة أن يسأل لماذا اندلعت الأزمة اليونانية في ربيع عام 2010، بعد عامين تقريبا من اندلاع الأزمة المالية العالمية. والإجابة هي أنه عندما غمر البنك المركزي الأوروبي منطقة اليورو بالسيولة الرخيصة، استغنت الحكومات عن الإصلاحات الجادة وأفرطت في الإنفاق بدلا من ذلك.
كان هذا راجعا جزئيا إلى حقيقة مفادها أن مجموعة العشرين وصندوق النقد الدولي أصدرا نداءات يائسة للتحفيز المالي الممول بالاستدانة. واستجابت العديد من الدول الأوروبية للنداء؛ ولكن بدلا من تحفيز النمو الاقتصادي، كان الإنفاق بالعجز سببا في تعريض الاستقرار المالي في العديد من البلدان للخطر. وقبل أن ينتهي الأمر، كانت ثماني دول على الأقل من دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين تطلب تمويل صندوق النقد الدولي وبرامج إعادة الهيكلة.
الدرس الذي ينبغي أن يكون واضحا هو أن التوسع المالي لا يحفز النمو الاقتصادي في أوقات عدم الاستقرار المالي. ولكن صندوق النقد الدولي المشوش بفِعل عقيدته الكينزية القويمة، لا يزال يرفض الاعتراف بهذه الحقيقة.
كانت العديد من دول الاتحاد الأوروبي في موقف ضعيف لأنها تركت الديون العامة المفرطة وغير الضرورية تتراكم عليها بالحفاظ على عجز الموازنة خلال فترة الرواج السابقة للأزمة. وبحلول نهاية عام 2007، كان متوسط الدين العام في منطقة اليورو 65% من الناتج المحلي الإجمالي، أعلى بخمس نقاط من السقف المحدد في معاهدة ماستريخت للدول التي تسعى إلى الالتحاق بعضوية منطقة اليورو. وقد عكس هذا جزئيا القرار الذي اتخذته فرنسا وألمانيا وإيطاليا في عام 2003 بانتهاك قواعد ماستريخت ثم "إصلاحها" في وقت لاحق، فأعلنت بذلك فعليا أن المعاهدة لاغية وباطلة.
لم يعترض صندوق النقد الدولي على استهزاء هذه الدول بقواعد الدين العام.
كبير زملاء مجلس الأطلسي في واشنطن