روبرت سكيلز
في شهر نوفمبر الفائت أثناء زيارتي لمقر قيادة الجيش الأمريكي في أوروبا تلقيت أخبارا موجزة بشأن أداء الجيش الروسي في أوكرانيا حول تفاصيل معركة زيلينوبيليا في يوليو 2014 حيث قامت مدفعية روسية واحدة بتدمير اثنين من الكتائب الآلية الأوكرانية خلال بضع دقائق.
لم أستطع أن أمنع نفسي من تخيل احتمال تعرض كتيبة مدرعة امريكية لهجوم مماثل، وأدركت وقتها أن أوكرانيا أصبحت ساحة تعرض عليها روسيا ما يمكن أن يحدث إذا أقدمت الولايات المتحدة على الدخول معها في معركة بنيران كثيفة. وكان تعليقي للحضور أن هذه هي المرة الأولى منذ بداية الحرب الباردة التي يتفوق فيها جيش أجنبي على الجيش الأمريكي.
والأكثر إثارة للقلق في هذا التعليق أن قوة نيران المدفعية كانت محور الحرب البرية للولايات المتحدة لمدة قرن تقريبا. وفي نورماندي لم يبد الألمان انزعاجا حول نوعية المدرعات والمشاة الامريكية، بيد أن تخوفهم الأكبر كان من المدفعية الأمريكية. ولم يستطع الألمان اطلاق النار بصورة شاملة عبر الحدود في حين ظهر ابتكار أمريكي في تنسيق إطلاق النار على الهدف بالتزامن، ما يعني امكانية مشاركة مئات القاذفات على هدف واحد وكذلك تنفيذ آلاف الجولات في وقت واحد، وهو ما أحدث تأثيرا مدمرا على الألمان.
وخلال حرب الخليج كان أكثر ما أثار الخوف لدى العراقيين ما أسموه "المطر الفولاذي" الذي يتألف من مئات الآلاف من القنابل صغيرة الحجم المحشوة في قذائف المدفعية والرؤوس الحربية الصاروخية، وجاء تنفيذها متزامنا مع عمل أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة والتي قضت على المدفعية العراقية التي طالما افتخر بها صدام حسين، ولم تمثل المدفعية العراقية أي تهديد على القوات الأمريكية بعد ذلك.
وما حدث في أوكرانيا نموذجا لما يمكن أن يحدث للمدفعية الأمريكية حال نشوب مواجهة مباشرة أو بالوكالة. والواقع أن أنظمة القذائف الروسية الجديدة تفوق نظيرتها الأمريكية بمقدار الثلث أو أكثر. لقد تمكن الروس من تحسين تقنية المطر الفولاذي التي نستخدمها عن طريق تطوير جيل جديد من الذخائر يتم حشوها بتفجرات حرارية، وهذه الذخائر تولد موجة انفجار مكثفة لغازات متفجرة أكثر فتكا بكثير من المتفجرات التقليدية. ويمكن بضربة واحدة من المطر الفولاذي الحراري الروسي من كتيبة اطلاق قاذفات صاروخية أن تبيد كل ما هو موجود على مساحة نحو 350 فدان.
ومن المؤسف أن جميع ذخائر المطر الفولاذي الأمريكي ، وهي ملايين من القذائف والرؤوس الحربية، قد استنفذت ودمرت عن عمد من قبل الإداراتين السابقتين في حروب تحت مزاعم التصحيح السياسي. كما أن الولايات المتحدة وافقت على التخلي عن أسلحة الذخائر الصغيرة بعد أن وقعت الدول الأخرى (التي لا تمتلك المطر الفولاذي) على معاهدة حظر هذه الأسلحة لأنها تخلف آثارا كثيرة على أرض المعركة وتشكل خطرا على المدنيين، بينما رأت روسيا والصين وإسرائيل أنهما إزاء حروب قتالية فعلية ومن ثم تجاهلت هذه الدول التوقيع على المعاهدة. وكانت النتيجة أن قذائف المطر الفولاذي الروسية أصبحت تعادل خمسة أضعاف نظيرتها الأمريكية.
كما أن تكنولوجيا الحرب الإلكترونية التي أظهرها الروس في أوكرانيا هي الأفضل في العالم، وهي أفضل بكثير من الأمريكية. فأثناء حصار مطار دونيتسك الذي امتد 240 يوما نجح الروس في التشويش على نظام تحديد المواقع وأجهزة الراديو وإشارات الرادار، كما أن قدراتهم الجيدة على الاعتراض الإلكتروني أصابت الاتصالات الأوكرانية بالشلل التام.
فهل هذا يعني أن الجيش الروسي أفضل من نظيره الأمريكي. بالطبع لا، ولو حدثت المواجهة اليوم ستكون الغلبة للجيش الأمريكي. فنحن لدينا قوات قوامها نصف مليون جندي مدربين تدريبا عاليا، في حين أن ثلثي قوات فلاديمير بوتين البالغة 800 ألف لم تتلق سوى تدريبات لعام واحد على مهارات قتالية موضع شكوك. كما أن القوات الجوية الروسية لا تضارع نظيرتها الأمريكية. إلا أن التجربة الأوكرانية تقول لنا أن تكلفة الخسائر في الأرواح ستكون عالية.
وهذا التراجع المأساوي في أحد أذرع القتال التي كانت يوما ما الأكثر فتكا في الجيش الأمريكي ينبغي أن يكون بمثابة انذار. كما أن الانتقاص من القوة الحربية المقاتلة لجيشنا في أوروبا يأتي في وقت مشؤوم مع تشكيك المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب المعلن في قيمة الدفاع عن أوروبا وإنفاق إدارة أوباما مئات المليارات من الدولارات على نظم كبيرة بتقنيات عالية يمكنها خوض القتال البحري في آسيا.
ولكن في حروب اليوم توجد أسلحة أكثر واقعية مثل الأسلحة الصغيرة والألغام والمدفعية التي تقتل الجنود الأمريكيين، أضف إلى ذلك حقيقة أننا قد خسرنا تفوقنا السابق في القدرة الساحقة على أرض المعركة، ولنا أن نتخيل العواقب الوخيمة القاتلة التي قد تنجم عن نوايانا الطيبة.
لواء عسكري متقاعد وقائد سابق للكلية الحربية الامريكية