ترودي روبين
الآن، بعد أن احتدم السباق الرئاسي، أصبح ليس لدى أي أحد يهتم بالسياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومي الأمريكي خيار سوى التصويت لهيلاري كلينتون. والسبب الأكثر إلحاحا لذلك هو الحاجة إلى منع أي شخص زئبقي متهور قليل العلم من وضع يده على الزر النووي. والسبب الثاني هو أن كلينتون تتمتع بمجموعة من المهارات الخاصة التي تناسب هذه الأوقات غير المستقرة.
لقد أظهر دونالد ترامب مرارا وتكرارا أنه ليس لديه المزاج اللازم لأن يكون قائدا عاما. إنه يفقد صوابه أمام النقد ويقذف من فمه عبارات متهورة (مثل دعوته لروسيا اختراق البريد الإلكتروني لهيلاري كلينتون ونشر الرسائل التي به).
ويبدو أن كثيرين من أنصار ترامب يعتقدون أن بإمكانه تعويض عيوبه من خلال إحاطة نفسه بمجموعة من الأقوياء في السياسة الخارجية. ولكنه فشل في ذلك. ففي حين أن رونالد ريجان، الذي يقارن ترامب نفسه به، كان لديه مجموعة كبيرة من مستشاري السياسة الخارجية، وكان لديه أيديولوجية واضحة عندما رشح نفسه للرئاسة، فإن ترامب ليس لديه أي منهما.
لقد أرعب ترامب حلفاء أمريكا وأسعد خصومنا سعادة غامرة بكلامه عن تفكيك التحالفات الرئيسية مع حلف شمال الأطلسي واليابان وكوريا الجنوبية، وبثنائه على القادة المستبدين في روسيا والصين. لقد اقترح ترامب إبرام مجموعة من المعاهدات التي من شأنها أن تضعف المؤسسات الدولية المهمة.
في حديثه الأسبوع الفائت في جامعة ولاية بنسلفانيا، حاول وزير الدفاع السابق ليون بانيتا تخيل الوضع إذا ما فاز ترامب بانتخابات الرئاسة، وبالكاد استطاع إخراج الكلمات: "أن تفكر أن شخصا مثل دونالد ترامب يمكن أن يصبح رئيسا، وأن يقوم بالتراجع عن تحالفاتنا، ويمكن أن يأمر القوات بالتعذيب وأننا يجب أن ننشر الأسلحة النووية ونحظر جميع المسلمين – هذا جنون".
"لقد عرض بالفعل أمننا القومي للخطر وأثار بالفعل تساؤلات حول أين تقف الولايات المتحدة الآن وإلى أين تسير".
بعد عودتي مؤخرا من ألمانيا وفرنسا، حيث تحدثت مع مسؤولين حكوميين وخبراء في السياسة الخارجية هناك، يمكنني أن أشهد على حيرة وصدمة حلفائنا المقربين. "لا يمكن أن يفوز، أليس كذلك؟"، كان هذا هو السؤال الذي سمعته في كل مكان.
كما أن شركائنا الخارجيين حائرون أيضا من مدى حرص ترامب على التقليل من شأنهم. بعد أن تم قتل كاهن على يد تنظيم داعش – وهي مأساة من شأنها في الوضع الطبيعي أن تلهم التعازي والمواساة – قالت ترامب: "فرنسا لم تعد فرنسا"، فرد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بغضب قائلا: "فرنسا ستظل دائما فرنسا. إنها لا تستسلم أبدا لأنها لاتزال تحمل المثل والقيم ... فقط عندما تخفض معاييرك وقيمك لا تعود كما أنت. هذا شيء ربما يحدث للآخرين على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي".
لماذا تهين حليفا في مثل هذه اللحظة المؤلمة؟ هذا السؤال هو في قلب السبب في أن ترامب يمثل كل هذا الخطر على مستقبل أمريكا. يبدو أن ترامب يعتقد أن أمريكا – وأنه هو نفسه – تستطيع أن تعيش وحدها.
وهو ما يقودنا إلى كلينتون. لا يمكن لأحد أن يطعن في مدى اتساع خبرتها الخارجية، كسيدة أولى وسيناتور ووزيرة للخارجية. إنها تتفهم الحاجة الماسة للولايات المتحدة للحفاظ على دورها كرائدة عالمية في وقت تعاني فيه الديمقراطيات الغربية من الاضطراب. وهي تفهم – كما لا يفعل ترامب – أن "الأمركة" و"العولمة" لا يمكن فصلهما. والرخاء في الداخل يتطلب الاستقرار في الخارج.
وعلاوة على ذلك، فإن كلينتون تدرك أن التحدي العالمي أمام الدول الديمقراطية من موسكو وبكين وداعش يتطلب تعزيز التحالفات، وليس تفكيكها.
نعم، هي اقترفت أخطاء (ومن لا يخطيء وهو يعمل لعقود في الخدمة العامة). فاختياراتها للأشخاص لم تكن دائما حكيمة. واستخدامها لخادم البريد الإلكتروني العام كان غير حكيم بالمرة (رغم أن عددا قليلا من بين 30000 رسالة بريد إلكتروني فحصها مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية هو الذي كان يحتوي على معلومات سرية). والتدخل في ليبيا انتهى نهاية سيئة (رغم أن كل الخيارات كانت كلها سيئة).
وفريق السياسة الخارجية بالبيت الأبيض لم يترك لها مساحة كبيرة لصياغة السياسة خلال سنوات عملها كوزيرة للخارجية. ولكن الذي خرج سالما من مدة عملها هو صرامتها في مواجهة الخصوم. ففي صيف عام 2012، أرادت – هي ومعها ليون بانيتا ومدير وكالة المخابرات المركزية دافيد بيترايوس وكبار القادة العسكريين – تسليح الثوار السوريين المعتدلين (عندما كانوا موجودين فعلا) كورقة ضغط لإجبار دمشق على الجلوس إلى طاولة المفاوضات – وهو ما كان يمكن أن يساعد على وضع نهاية للصراع السوري. ولكن فريق أوباما رفض.
وقد اتخذت كلينتون موقفا أكثر حزما من أوباما تجاه الحرب الهجينة في أوكرانيا، حيث دافعت عن جهد أكثر حزما لإنهاء خلافة داعش المزعومة (بدون إرسال قوات برية أمريكية). بيد أن موقفها مختلف كثيرا عن خطاب ترامب المتهور الذي يعد بهزيمة داعش بين عشية وضحاها ولكنه لا يقدم أي تفاصيل. وكما اعترفت كلينتون في مؤتمر الحزب الديمقراطي، فهي شخصية متمسكة بالتفاصيل.
بالطبع هذا عام انتخابي غريب – عندما يسحب الانعزالي ترامب السياسة الخارجية للحزب الجمهوري إلى يسار أوباما، ويتدثر الديمقراطيون بعباءة الوطنية. وكلينتون تحظى بدعم الجنرال المتقاعد جون ألين وغيره من القادة العسكريين المتقاعدين، وهي بوضوح تتعامل بأريحية مع الجيش. بيد أن بعض الأمريكيين قد يخافون أن تجر سياسة كلينتون الخارجية النشطة البلاد إلى صراع آخر.
ولكن كلينتون جعلت واضحا أنه، كلما كان ذلك ممكنا، أنها تفضل الدبلوماسية الصعبة على القوة. وقد أظهرت مهارتها عندما ناورت أوروبا وروسيا والصين لدعم العقوبات الصارمة ضد إيران. أما الاتفاقية النهائية مع إيران فقد تم التفاوض عليها بعد خروج كلينتون من المنصب، ولكنها تعهدت بإلزام طهران بجميع التفاصيل.
أما ترامب، على الجانب الآخر، فهو يريد التخلص من الاتفاقية، وهو ما سيؤدي إما إلى حصول إيران على الأسلحة النووية أو نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط.
في الواقع إن مفارقة هذا العام الانتخابي هي أن الحزب الجمهوري، الذي كان في يوم من الأيام هو الحزب الذي يكرس نفسه لإبقاء أمريكا آمنة، هو الذي وضع مرشحا من شأن مزاجه أن يعرض أمن الولايات المتحدة للخطر الشديد. وهذا هو السبب – سواء كنت تحب كلينتون أو لا – أنه من الضروري جدا انتخابها لهذا المنصب.
كاتبة عمود في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر