الازمات ليست كلها سلبية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٣/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٣١ م
الازمات ليست كلها سلبية

علي بن راشد المطاعني

الأزمات ليس كلها سلبية، وإنما لها جوانب إيجابية ذات أثر بالغ في تقويم سلوك الإنسان كترشيد الاستهلاك وإيجاد بدائل أخرى للتغلب على التحديات والمصاعب الحياتية، بل إن ظروفاً كهذه تعلمنا دروسا في الحياة وكيفية مواجهتها ‏وتجعل استدامة المعيشة بشكل أفضل من زيف الترف الذي يوقعنا في فجوة في حياتنا بين حين وآخر، و من الأمثلة على هذا التكيف البشري الإيجابي هو رفع الدعم عن المشتقات النفطية منذ بداية العام الجاري في إطارالجهود المبذولة من الحكومة لمواجهة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وانعكاساتها على تراجع الإيرادات، فالناس اتجهت إلى استخدام الوقود العادي بدلا من الممتاز كأحد الخيارات الأفضل سعراً، حيث أشارت إحصائيات أصدرها المركز الوطني للإحصاء و المعلومات بان حجم مبيعات وقود السيارات العادي منذ بداية العام حتى نهاية شهر يونيو الماضي 265 بالمائة لتصل إلى 2.82 مليون برميل مقارنة مع 772 الف برميل في النصف الأول من العام الماضي 2015. في تطور لافت وكبير في الاتجاه نحو الوقود الاقل كلفة و يؤدي نفس الخدمة للمركبات ، في حين كان هذا الوقود غير محبذ لدى شرائح واسعة من قائدي المركبات عندما كان اسعار الوقود مدعومة ، وهذا دليل على كيفية تغلب المستهلكين على الارتفاع في سعر الوقود بعد رفع الدعم بشكل متفاوت ما بين 120 بيسة للتر إلى 195 بيسة للتر في الأشهر الماضية، وهو التوجه نحو استخدام الوقود العادي حميد يعكس العديد من الجوانب منها مدى قدرة الإنسان على التغلب في زيادة الأسعار واستخدام البدائل المتاحة امامه في مثل هذه الأزمات، فالزيادة الكبيرة في استخدام الوقود العادي عنه في النصف الأول من العام الجاري عنها في نفس الفترة من العام الماضي تؤشر الى مدى التغير الذي حصل في سلوك المستهلكين.
في شهر رمضان المبارك زرت بعض معارض السيارات حيث في هذا الشهر تزداد الحملات الدعائية لشراء المركبات و سالت بعض الشباب العماني العاملين في صالات بيع السيارات اي موديلات تستحوذ على اهتمام الزبائن في شراء السيارات بعد رفع الدعم عن المشتقات النفطية، فاجابوا بان هناك تركيز كبير علئ شراء السيارات الصغيرة، وعدم الاهتمام بسيارات الكبيرة ذات 8 سلندر، والكثير من المشتريين لديهم رغبه في معرفة كمية استهلاك الوقود و غيرها من تساولات محورية عن مركبات ذات استهلاك أقل للوقود، وهذا كذلك يعكس توجه الناس في تخفيض الاستهلاك المتكرر كالوقود من خلال شراء سيارات ذات محركات اقل استهلاكا للوقود كاحد البدائل التي بدات الناس تلتف لها في النصف الاول من العام الجاري، حيث تم تسجيل اكثر من 52 الف مركبه جديدة منها 35 الف مركبة خاصة وفق احصائيات المركز الوطني للاحصاء و المعلومات.
ما يمكن استنتاجه أن الازمات تحوّل التحديات إلى فرص لتجاوزها وعدم الانكسار أمام أي عوائق تحوم حولها، فالأزمات كرفع الدعم عن الوقود اسهمت في بدء الناس في التأقلم معها بشكل أو بآخر في اطار جهودهم لتقليل الانفاق وهو بداية موفقه يمكن ان تنسحب على الكثير من الخدمات المدعومة كالكهرباء و المياه والخدمات المجانية كالادوية و غيرها الني تستنزف امولا طائلة بفغل عدم ترشيد استهلاكها اوتكرار زيارة المستشفيات، لعل تحول العديد من مستخدمي المركبات الى الوقود العادي جزء لا يتجزاء من هذا التحول الايجابي في التعاطي مع رفع الدعم عن المشتقات النفطية بطريقة حضارية تمكن الفرد من الملائمة بدلا من الصراخ و العويل و التباكي في شبكات التواصل الاجتماعية و نقل النكات وبعض السخافات التي لا ترقئ الى ما نتطلع اليه.
هناك ايضا بدائل اخرئ ذات علاقة بتقليل التكلفة في رفع الدعم عن وقود المركبات وهي تقليل الاستهلاك السيارات بحيث لا تكون الا في الاوقات الضرورية التي تحتم الاستخدام لمسافات بعيدة، وكذلك النقل المشترك الى اماكن العمل والتسوق والرحلات وغيرها من الاستخدامات التي يتطلب تفعيلها في الفترة الحالية والقادمة كاحد الحلول الهادفة للحد من استهلاك الوقود، فضلا عن استخدام النقل العام في الحدود الممكنة، خاصة و ان هناك جهود من شركة النقل الوطني لتسير خطوط الى كافة ارجاء السلطنة وتطوير خدمة النقل العام.
فمثل هذه الإجراءات نحن المواطنين يجب أن نتواءم معها ولا نرفضها لمجرد الرفض بدون أن يكون لنا دور فيها أو نعرف مدى مساهمتنا فيها ونسبة مساهمة الفرد الواحد إلى غير ذلك من البديهيات التي من الأهمية توعية المواطنين بها كجزء من منظومة العمل المستقبلية التي على ما يبدو الحكومة مقصّرة فيها مما يساعد على بناء سوء فهم في الأوساط الشعبية ويؤجج البعض غير الواعين للمتطلبات الوطنية.
إن اختبارات الحياة على المستويات الشخصية للأفراد والدول كثيرة وبعضها قاسية وشديدة لكن دائما إرادة الإنسان هي الأقوى في التكيف مع مثل هذه الازمات و ضرورة تجاوزها باقل الخسائر.
بالطبع اسعار المشتقات النفطية كنموذج واحد فقط، في التكيف الذي بدأ الانسان العماني في التالقم معه ، وانما هناك سلع وخدمات كثيرة بداء في اعادة حساباتها في الاجندة الشرائية ويرتب اولوياته وفق المتغيرات الاقتصادية، بل بدأ الكثيرون في اعادة النظر في متطلباتهم الكمالية غير الضرورية بتقليص شرائها كما كان والتركيز على المتطلبات الاساسية.
نامل بان نشهد هذا الوعي بالمتغيرات الاقتصادية وضرورة التوائم معها بالايجابية التي تعكس وعينا باهمية التالقم مع الظروف بشكل ايجابي بعكس تحضر المواطن في تقاسم الاعباء.