كاليستوس جوما
شعر العالم بصدمة قرار الناخبين في المملكة المتحدة بالخروج من الإتحاد الأوروبي وأفريقيا ليست إستثناءا وخاصة نظرا لعلاقاتها التاريخية مع العديد من دول الإتحاد الأوروبي . لقد سارع النقاد والمسؤولون للتعبير عن أسفهم بسب غيمة الغموض الإقتصادي الجديدة وإمكانية حصول كارثة في المستقبل القريب .
لقد كانت ناميبيا الدولة الوحيدة التي قللت من أهمية تداعيات الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي"بريكست " والسبب وراء ذلك على الأرجح هو أن صادراتها للإتحاد الأوروبي قد إنخفضت بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولكن بقية أفريقيا محقة في أن تتعامل مع هذه الموضوع بجدية على الأقل فيما يتعلق بالتوقعات على المدى القصير.
لكن على المدى الطويل فإن أفريقيا يجب أن تكون متفاءلة فمعظم مشاعر القلق المبالغ بها تعكس تفكير تقليدي يتجاهل الأهداف الإقتصادية لكلا من الدول الأفريقية والمملكة المتحدة . إن التحذيرات الرهيبة المتعلقة بموقف أفريقيا كمصدر للمواد الخام للمملكة المتحدة وأوروبا تفترض أن المدى الكامل للتعاون بين القارتين سيكون مقتصرا للإبد على تجارة السلع.
تطمح أفريقيا لما هو أبعد من ذلك بكثير فبينما يستمر سكان أفريقيا الشباب في النضوج فإنهم سيدفعون بإتجاه المزيد من الإبتكار والإعتماد الأقل على صادرات السلع وفي واقع الأمر فإن إطار أجندة أفريقيا 2063 والتي تبناها الإتحاد الأفريقي سنة 2013 تهدف إلى جعل القارة كمجموعة من "إقتصادات التعليم" أي إقتصادات متنوعة يحركها التعليم والإبتكار ومع مكانة أعلى في سلاسل الإنتاج العالمية تتجاوز إستخراج المواد الخام .
لقد تبنى الإتحاد الأفريقي سنة 2014 إستراتيجية العلم والتكنولوجيا والإبتكار لإفريقيا وهي عبارة عن خارطة طريق تدعو الهيئات الوطنية والإقليمية لزيادة الإستثمار في البنية التحتية للإبحاث والتعليم وغيرها من الشروط اللازمة للابتكار التقني والريادة وبالإضافة إلى تلك الإستثمارات الأساسية فإن الخطة تدعو كذلك لتأسيس إطار للتواصل بين أفريقيا وجاراتها الشماليات .
إن خطة إستراتيجية العلم والتكنولوجيا والإبتكار لإفريقيا تضع التعاون العلمي فوق السياسات الوطنية وعلى الرغم من أن التصويت البريطاني بالخروج من الإتحاد الأوروبي يعتبر على نطاق واسع على إنه من أعراض المشاعر القومية المتصاعدة في المملكة المتحدة فإن ذلك لا يعني أن المملكة المتحدة – أو الدول المتبقية في الإتحاد الأوروبي- ستتوقف عن إعتبار العلم والتكنولوجيا كمحركين للنمو الإقتصادي وفي واقع الأمر فإن العلماء في المملكة المتحدة قد أجمعوا بالفعل على المطالبة بإن لا يتأثر تمويل الإتحاد الأوروبي في المؤسسات البريطانية سلبا خلال أية مفاوضات تتعلق بالخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي ومهما كانت النتيجة فإن الإحتمالات تبقى قوية لإفريقيا من أجل الدخول في شراكات مستقبلية مع المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي من أجل الدفع قدما بإجندة الإبتكار الخاصة بها.
يأمل المرء أن تكون القضايا الوطنية وتلك التي تتجاوز الحدود الوطنية أقل أهمية بالنسبة للإبتكار ولكن التنافس الجديد بين دول الإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التي لا تنتمي للإتحاد يمكن أن يؤدي إلى إستثمارات جديدة في العلم والتكنولوجيا ضمن تلك البلدان وهذا سيحدث في مراكز إبتكار تقليدية أي في مدن تتمتع بجامعات بحثية وقطاعات التكنولوجيا والعلم الحالية مع وجود القليل من العقبات التنظيمية لرواد الأعمال.
مثل وادي السيلكون فإن تلك المراكز ستصبح أنظمة بيئية مناطقية مع حضور عالمي وعليه بغض النظر عن ما إذا كانت الإبتكارات تأتي من المملكة المتحدة أو الإتحاد الأوروبي أو أماكن أخرى، ستكون هناك فرص في السوق العالمي للدول الإفريقية التي إستعدت لها.
هذا سوف يتطلب تعديلات في الدبلوماسية الإقتصادية الإفريقية ولقد قامت رواندا وإثيوبيا وكينيا بالفعل بتعديل سياساتها الخارجية وخاصة في مجال إختيار السفراء وتحديد أماكن عملهم من أجل التركيز على القضايا الإقتصادية والتجارية العالمية .
بالإضافة إلى ذلك سوف يتحسن وضع أفريقيا على الساحة الإقتصادية العالمية بشكل كبير عندما تختتم مفاوضات منطقة التجارة الحرة القارية سنة 2017 . سوف تتألف منطقة التجارة الحرة القارية من سوق لإكثر من مليار شخص مع ناتج محلي إجمالي أولي يزيد عن 3 تريليون دولار أمريكي. سوف تزيل تلك المنطقة العوائق التجارية وتعزز الإستثمار في البنية التحتية وذلك حتى يكون للدول الأفريقية المقدرة الصناعية على المنافسة عالميا وبشكل عام فإن منطقة التجارة الحرة القارية هي فرصة كبيرة لإفريقيا من أجل إعادة تشكيل علاقاتها مع المملكة المتحدة وبقية العالم .
إن توقعات ما بعد بريكست المشؤومة لإقتصادات أفريقيا التي تعتمد على التصدير يغيب عنها حقيقة أساسية وهي إن تلك الإقتصادات ستعتمد قريبا بشكل أقل بكثير على صادرات السلع وعندما يأخذ بالإعتبار آفاق أفريقيا للإبتكار وريادة الإعمال فإن المنظور طويل الأجل يشير إلى مستقبل أكثر إشراقا بكثير.
أستاذ ممارسات التنمية الدولية في كلية كينيدي للإدارة الحكومية في جامعة هارفارد.