توصيف ترامب للحلفاء والأعداء

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٢/أغسطس/٢٠١٦ ٢٣:٠٥ م
توصيف ترامب للحلفاء والأعداء

كاثرين رامبل

باعتراف ترامب فهو لا يحب القراءة كثيرا لاسيما لغرض توسيع معرفته السياسية، ومع ذلك فهناك قصة قصيرة للغاية ربما تكون مفيدة لرئاسته المحتملة في المستقبل، وهي من حكايات ايسوب عن "الكلب والأرنب"، والأرجح أنها تعكس المشاعر التي تنتاب حلفاءنا في الناتو في الوقت الحالي.
تقول القصة أن كلب صيد كان يطارد أرنبا بريا خائفا، وعندما أوشكت المطاردة على الانتهاء قام الكلب بأفعال متضاربة ومتناقضة ما بين عض شرس للأرنب ولعقه بعطف، حتى أنه لم يعد يعرف هدفه الأساسي. والحكمة التي يسوقها ايسوب أن الصديق المشكوك فيه أسوأ من العدو المؤكد"، فليحدد الفرد شخصيته ومن ثم يمكننا أن نعرف كيف نتعامل معه".
وترامب مولع بأن يقدم لنا اشارات متضاربة، أو على حد الكلمة التي يفضلها ترامب نفسه "لا يمكن التنبؤ بها" سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية على حد سواء. و"عدم القدرة على التنبؤ" هي الطريقة التي تبرر افتقاده للدقة في الرد على أسئلة حول التعذيب واستخدام الأسلحة النووية، وتناقض وجهات نظره في القضايا الاقتصادية، وعدم قدرته على الكشف عن خطته المزعومة الرائعة والسرية لهزيمة تنظيم داعش، واستعداده الممكن للتخلف عن سداد الديون الأمريكية، وأجوبته المراوغة حول الطريقة التي سيرد بها على الاضطرابات في بحر الصين الجنوبي أو في جنوب آسيا، أو في أي مكان في العالم يتطلع إلى الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار.
وربما كان الحديث عن عدم القدرة على التنبؤ وسيلة مريحة لتفادي أسئلة صعبة، حتى أنه أصبح أسلوب سياسة. وبعيدا عن كونها ناتج ثانوي مؤسف لعقد الصفقات الذكية أو الحكم الرشيد، فإن عدم اليقين في حد ذاته هو هدف، بل هو ميزة وليس علة، بما في ذلك، وهو آخرها وأكثرها خطورة، ما يتعلق بكيفية تعاملنا مع حلفائنا.
قبل أيام في حديث مع صحفيين من صحيفة نيويورك تايمز، سئل ترامب حول الالتزامات العسكرية على أمريكا في نطاق حلف شمال الأطلسي. وأجاب ترامب أنه خلال رئاسته ربما لا توفي الولايات المتحدة بتلك الالتزامات إذا قررت روسيا غزو جيرانها من دول البلطيق. وأكثر من هذا، "التزامنا تجاه حلفائنا قد يتوقف على حجم المقابل المادي الذي يمكن أن يقدمه الحلفاء مقابل الدفاع عنهم، بغض النظر عن مصالحنا الاستراتيجية في مساعدتهم، والمساعدة التي قدموها لنا في الماضي في المساعي العسكرية وبالطبع إعلانات الولاءات لنا". وخلافا لنصيحة ميلانيا ترامب (المقتبسة من ميشيل أوباما) لم تعد كلمتنا ملزمة لنا.
وعندما أبدى الحلفاء في شتى أنحاء العالم وصناع القرار في الولايات المتحدة انزعاجا حول هذه التعليقات، ادعت حملة ترامب في البداية أن تصريحات مرشحها قد أسئ نقلها، إلا أنه بعد مراجعتها والتحقق منها راح ترامب يؤكد على تهديداته لحلفائنا العسكريين.
وفي حوار مع تشاك تود قال ترامب: ربما سنقدم لأصدقائنا ما هو متوقع منا وربما لا نفعل ذلك. وأي اقرار بالتزام غير مشروط لحلفائنا يظهرنا كأننا " بلد غبي". والمؤكد أنه في حالات الحرب أو المباريات الرياضية أو حتى في عروض الواقع يمكن قبول مبدأ "عدم القدرة على التنبؤ" لكي تبقي على الأعداء أو الجمهور في حالة حيرة وترقب، أما في الصداقة فهو مبدأ قاتل. فليس هناك من يرغب في صديق مبدأه الدبلوماسي الأساسي التقلب وغرابة الأطوار.
وترامب لا يتصرف وحسب في نطاق "نظرية الرجل المجنون" للرئيس ريتشارد نيكسون، أننا نريد اقناع خصومنا أننا قادرون على فعل أي شيء، ولكنه حريص أيضا على إقناع أصدقائنا بأننا غير قادرين على فعل شئ. ومن ثم عندما سيحتاجنا الأصدقاء ربما سنربت على جراحهم وربما أيضا سننشب فيها مخالبنا، أو ربما سنأخذ موقف المتفرج بينما يأتي مفترس آخر لينهشهم أمام أعيننا.
وبطبيعة الحال فالتملص من الالتزامات القانونية هي الاستراتيجية التي اتبعها ترامب وخدمته جيدا في أنشطة أعماله، فهناك حكايات كثيرة عن رفضه الوفاء بسداد التزامات تعاقدية مقابل الخدمات التي حصل عليها في الكازينوهات وملاعب الجولف وغيرها من الممتلكات الخاصة به.
وفي عالم ترامب فأي اتفاق تعاقدي تم الاتفاق عليه ، مثل معاهدة دولية تم التوقيع عليها ليس هو آخر المطاف للإلتزام ولكنه فقط مجرد محاولة لصفقة أخرى. والطرف المقابل في الاتفاق ليس صديق مؤكد أو شريك ولكنه دائما معارضا يحرض الطرف الآخر على الاستفادة منه بأقصى قيمة ممكنة.
ومن ثم ربما يكون من المنطقي القول بأن السياسة الخارجية لترامب تهدف إلى زعزعة استقرار وتضليل ليس فقط الأعداء ولكن الحلفاء أيضا، ففي عالم ترامب حتى أصدقاؤنا هم أعداء، أو على أقل تقدير، فريسة محتملة.

كاتبة مقال رأي بصحيفة واشنطن بوست