مسقط - ش
اكد رئيس استراتيجيات الإقتصاد الماكرو، بساكسو بنك كريستوفر ديمبك، ان المستثمرين تعلموا درساً قاسياً مفاده عدم وجود صيف هادئ بالنسبة للأسواق المالية. ومنذ التصويت على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة، شهدت المخاطر تصاعداً ملحوظاً. وبدأت التحذيرات والمخاوف تسود المناخ الاقتصادي العالمي مرة أخرى. تظهر بيانات ’مؤشر مدراء المشتريات‘ من حول العالم مواجهة الاقتصاد العالمي لأسوأ ربع له منذ عام 2012، وبداية ظهور علامات الركود في المملكة المتحدة. وعلاوةً على ذلك، تواصل نمو المخاطر الجيوسياسية لاسيما في أوروبا.
المفارقة الرئيسية
تتمثل المفارقة الرئيسية خلال هذه الفترة بأن المخاطر لم تكن أبداً بهذا الكم منذ مدة طويلة، وعلى الرغم من ذلك يبدو المستثمرون واثقين بالمستقبل إلى حد بعيد. ويقبع مؤشر المخاطر الشاملة الصادر عن ’سيتي بنك‘ عند 2.24%، الأمر الذي يظهر حالة الارتياح لدى المستثمرين. ولا يمكن أن تستمر الفجوة الكامنة بين رؤية السوق والحالة الاقتصادية لفترة طويلة وسنشهد عاجلاً أم آجلاً عودة شديدة اللهجة إلى الأمر الواقع. و مرةً أخرى، تتجه جميع الأنظار إلى البنوك المركزية خلال شهر أغسطس. ومن المتوقع أن يقوم كل من بنك إنجلترا والبنك المركزي التركي بتخفيف حدة السياسة النقدية بشكل أكبر. وعلاوةً على ذلك، كما في كل عام، سيكون تركيز المستثمرين الرئيسي محور اهتمام ندوة السياسة الاقتصادية في جاكسون هول والمزمع إقامتها بين 25 و27 أغسطس في وايومينج. وسيتمحور موضوع ندوة هذا العام حول: "تصميم أطر عمل مرنة للسياسة النقدية من أجل المستقبل". وسيكون خطاب جانيت يلين موضع مراقبة لصيقة من قبل المستثمرين الباحثين عن أدلة حول تطور السياسة النقدية الأمريكية، وعلى وجه الخصوص، النتائج المحتملة لاجتماع مجلس الاحتياطي الفدرالي في شهر سبتمبر المرجح أن يكون بمثابة أفضل الفرص لرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة هذا العام.
المخاطر المتنامية
على الرغم من المنحى التصاعدي للمخاطر، تشهد أوساط المستثمرين حالةً من الارتياح. ويقبع مؤشر المخاطر الشاملة الصادر عن ’سيتي بنك‘، الذي يستخدم مجموعة من المقاييس لقياس معدلات العزوف عن المخاطر، عند 2.24% ويشير بالتالي إلى عدم قلق المستثمرين إزاء المستقبل. ويمكن ملاحظة ذات النظرة التفاؤلية بالنسبة للأسواق الناشئة: سجل مؤشر ’باركليز‘ لمخاطر العملات الأجنبية في الأسواق الناشئة مؤخراً أدنى مستوىً له منذ بداية العام. وبات من الواضح أن المستثمرين لم يقوموا بتقييم المخاطر بالشكل الصحيح. ومن غير المرجح أن تستمر الفجوة الكامنة بين تصور المستثمرين والواقع الاقتصادي لوقت طويل؛ وستكون العودة إلى الواقع مؤلمة.
العديد من الوسائل لتهدئة السوق
وبالنظر إلى الجانب المشرق للأمور، لاتزال البنوك المركزية تمتلك في جعبتها العديد من الوسائل لتهدئة السوق على المدى القصير والمتوسط. وبالإضافة على ذلك، كانت الإجراءات التي اتخذتها حاسمةً إلى حد كبير في إطار تجنب حالة الذعر المالي في أعقاب استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وبالرغم من ذلك، تتحرك القدرة الكلية للبنك المركزي نحو مزيد من الانحسار ويمكن أن تكون مخاطر جهة التخطيط المركزية أكبر من أي وقت مضى خلال الأشهر القادمة، مع تبقي القليل من الأدوات وتجمد بعض الحكومات الرئيسية بسبب الانتخابات كحكومة الولايات المتحدة. وكان التقرير السنوي الأخير الصادر عن ’بنك التسويات الدولية‘ واضحاً للغاية فيما يخص هذا الموضوع: نحن محكومون بحدود سياسة البنك المركزي بسبب تناقص العائدات وارتفاع مخاطر فقاعات المضاربة. وبالرغم من إجراء أكثر من 660 عملية خفض لأسعار الفائدة حول العالم منذ انهيار بنك ’ليمان‘، لا يزال النمو ضعيفاً. ولا يمتلك محافظو البنوك المركزية أي أفكار دقيقة حول الخطوة التالية، ولكن لا يبدو أن السوق تشهد أي حالة من القلق حيال هذا الأمر في الوقت الراهن.
"البريكسيت هو السبب"
في أوروبا، يبقى مسار النمو الاقتصادي مترنحاً في حالة من عدم الاستقرار. وسيكون من السهل إلقاء اللوم على البريكسيت بالنسبة لتباطؤ النمو. ولكن عملية تراجع النمو بدأت مع انطلاقة عام 2016. وتقترب أوروبا والولايات المتحدة من نهاية دورة الأعمال. وفي المملكة المتحدة، دخل مؤشر مدراء المشتريات في قطاع البناء- وهو أحد المؤشرات المبكرة لمنحى الناتج المحلي الإجمالي- في حالة من الانكماش منذ عدة أشهر، مؤكداً أن الاقتصاد البريطاني كان سيشهد حالة من التباطؤ حتى لو صوت الناخبون لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي. وستقوم نتائج الاستفتاء بتسريع العملية فحسب. ووفقاً للإحصاءات الأولية، ستمر المملكة المتحدة بأصعب فترة لها في المدى القصير. وتشير مؤشرات مدراء المشتريات إلى حالة من الانكماش الاقتصادي خلال مرحلة ما بعد البريكسيت لم تشهدها البلاد منذ عام 2009، في حين هبط مؤشر تفاؤل الأعمال الصادر عن ’اتحاد أرباب العمل في المملكة المتحدة‘ (سي بي آي) إلى -47 نقطة خلال شهر يوليو من -5 نقطة خلال الشهر الذي سبقه، وهو أدنى مستوىً له منذ عام 2009. ومن الواضح أن حالة الركود تتجه لتسود على الاقتصاد البريطاني كما هو متوقع من قبل ’بنك إنجلترا‘. واختار البنك المركزي الوضع الراهن للفائدة في شهر يوليو، إلا أنه من الممكن أن يقرر تخفيض أسعار الفائدة خلال الاجتماع القادم في 4 أغسطس، نظراً لكون العلامات المبكرة تؤكد حالة التباطؤ الاقتصادي في أعقاب البريكسيت. ومن المتوقع بالإجماع أن يتم تخفيض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تقوم المملكة المتحدة بتهدئة سياستها النقدية بصورة أكبر. وسيتمثل التحدي الرئيسي الفوري للملكة المتحدة في التعامل مع العجز الكبير في الحساب الجاري، والذي يصل إلى قرابة 7% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالتأكيد، سيساعد الجنيه الإسترليني الأضعف الاقتصاد البريطاني، إلا أن هناك خطر حقيقي يتمثل بتقلص فائض الخدمات خلال الأرباع القادمة. ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، تسود حالة من التفاؤل على الاقتصاد البريطاني. وتعتبر المملكة المتحدة الدولة الوحيدة التي يمكنها بكل تأكيد التغلب على تحديات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفيما يتعلق بالأخير، لايزال من الصعب تقدير حجم الأثر. ووفقاً لتقديرات وكالة ’بلومبيرغ‘، يمكن للبريكسيت خفض الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بواقع 0.1 نقطة مئوية في عام 2016 وبواقع 0.3 نقطة مئوية في عام 2017. وينبغي أن ينظر لهذه التقديرات بعين الحذر نظراً لعدد الشكوك التي تحوم حول العملية السياسية التي بدأت للتو.
الكرة في ملعب الحكومة اليابانية
وجدت الحكومية اليابانية نفسها مضطرة لاتخاذ إجراءات تدخلية في ضوء التدابير الخجولة التي كشف عنها ’البنك المركزي الياباني‘ في يوليو الماضي، والتي شملت مضاعفة مشتريات صناديق الاستثمار المتداولة إلى 6 تريليون ين ياباني سنوياً، وكذلك مضاعفة حجم برنامج الإقراض بالدولار الأمريكي لدعم عمليات الشركات اليابانية في الخارج. ويمكن في هذا الإطار استخلاص 3 استنتاجات من اجتماع المركزي الياباني، وهي أولاً: أن المركزي يقر ضمناً افتقاره للمجال الكافي من أجل التصرف ضمن إطار السياسة النقدية الحالية. إذ يشتري البنك أكثر من 90% من الديون الصادرة حديثاً في البلاد، ولذلك فإنه من الصعب جداً زيادة المشتريات، خاصة وأن ذلك لن يحمل أي تأثير على الاقتصاد. ويتمثل الملاذ الوحيد هنا في زيادة مشتريات صناديق الاستثمار المتداولة لأنه يشكل أحد قطاعات السوق النادرة التي لا يعتبر البنك المركزي لاعباً مهيمناً فيها، حيث لا يشكل سوى 55% من صناديق الاستثمار المتداولة اليابانية. ثانياً، يبدو أن المركزي اليابان أصبح على قناعة بعدم وجود مجال كافٍ لخفض قيمة الين الياباني. وبالرغم من التدخلات العديدة في سوق عملات الفوركس، والجولتين الأولى والثانية للتيسير الكمي والنوعي، ولكن سعر الصرف يواصل الارتفاع بشكل كبير. ومنذ يونيو من العام الماضي، سجل مؤشر التجارة المرجحة للين الياباني معدلاً ضخماً بلغ 25%. وثالثاً، يدرك ’المركزي الياباني‘ أن مسألة التمويل بالدولار الأمريكي للشركات قد يفضي إلى مشاكل في السوق على المدى الطويل. وقد برزت هذه المسألة على المستوى العالمي ولكنها لم تحظَ بأهمية كبيرة بعد من جانب صناع القرار والسياسة. وسيخذ المركزي الياباني خطوته التالية في سبتمبر المقبل حين تتلقى الحكومة تقريراً يتناول أثر برنامج السياسة النقدية الحالية. وحتى ذلك الحين، من غير المتوقع اتخاذ أي تدابير جديدة من جانب البنك المركزي. وفي سياق متصل، يمكن للتقرير فتح الباب لتطبيق سياسة ضخ النقود لحفز النمو (نظرية المروحية النقدية). ويمكن أن ينطوي ذلك على مقترحات لإصدار سندات سيادية دائمة قابلة للشراء من قبل البنك المركزي، وذلك دون تحديد فترات استحقاق. ويمثل هذا النوع من التمويل النقدي للعجز العام الخطوة الأخيرة التي نرجح عدم فعاليتها شأنها شأن التدابير السابقة التي هدفت إلى معالجة الانكماش (انخفض مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 0.5% على أساس سنوي خلال يونيو الماضي. وفي الوقت الراهن، تبدو الكرة في ملعب الحكومة. وفي ضوء الدعم الذي اكتسبته خلال انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو الماضي جنباً إلى جنب مع مواجهة التدابير الخجولة من قبل بنك اليابان، يتمثل الخيار الوحيد أمام الحكومة اليابانية في الإعلان عن خطة تحفيز ضخمة خلال شهر أغسطس. ومن المتوقع أن تبلغ قيمة الحوافز الجديدة حوالي 28 تريليون ين ياباني، بما يشمل 13 تريليون ين في الإنفاق. ويمكن أن تستهدف الإجراءات التحفيزية الإنتاج الصناعي الذي انخفض بنسبة 1.9% على أساس سنوي في يونيو، وكذلك انخفاض الأجور. ويكمن التحدي الأبرز الذي يواجه البلاد في الضغط من أجل تحسين التوفيق بين السياسات النقدية والمالية، وهو ما قد يشكل قضية مهمة إذا كانت الخطة المالية المقبلة طموحة بما فيه الكفاية.
. مسرح الفوضى
وأخيراً، ستقبع تركيا في دائرة التركيز عن فئة الأسواق الناشئة خلال هذا الشهر. وفي أعقاب الانقلاب العسكري، قامت وكالة ’ستاندرد آند بورز‘ بتخفيض التصنيف الائتماني لتركيا بمقدار درجة واحدة من (BB+) إلى (BB) مع نظرة مستقبلية سلبية. وبتاريخ 19 أغسطس، من المقرر ان تقوم وكالة ’فيتش‘ الائتمانية بنشر تصنيفها السيادي لتركيا، وستقوم الوكالة بكل تأكيد بخفض التصنيف الائتماني للدولة على غرار ما قامت به وكالة ’ستاندرد آند بورز‘. ولبضع سنوات، لم يكن لقرارات وكالات التصنيف الائتماني تأثير حاسم على التطورات الاقتصادية والمالية بالنسبة لمعظم البلدان. ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لتركيا، التي تعتمد إلى حد كبير على التمويل الأجنبي بسبب احتياطيات العملات الأجنبية المنخفضة وتدني الوفورات المحلية، وفوق هذا كله، تصاعد مستويات الدين الخارجي حيث ازداد الدين الخارجي بنسبة 120% منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة. وستنطوي حالة عدم الاستقرار السياسي على أربعة عواقب مالية رئيسية بالنسبة للدولة: 1) من المرجح أن يرتفع مستوى تمويل الشركات التركية بالعملات الأجنبية بشكل كبير نظراً لانخفاض قيمة الليرة أمام الدولار، الأمر الذي يمكن أن يساهم في تقليص حجم الاستثمارات الخاصة ويبرز المخاطر الائتمانية بالنسبة للبنك؛ 2) من المرجح أن تشهد ربحية البنوك، التي انخفضت بواقع 55% تقريباً بين شهر ديسمبر عام 2007 وشهر ديسمبر عام 2015، انخفاضاً إضافياً لتثير الأسئلة حول الوصول إلى السيولة؛ 3) من المرجح أن تنعكس الزيادة الكبيرة التي شهدتها تدفقات النقد الأجنبي مؤخراً مكثفةً بذلك ضائقة السوق؛ 4) تأجيل الإصلاحات الموعودة لتقليل مستوى الاعتماد على التمويل الأجنبي إلى أجل غير مسمى. ولا يزال معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أعلى من المعدل المتوسط على المدى الطويل، ولكن مخاطر الهبوط ازدادت بصورة ملحوظة. ويعتبر تباطؤ النمو أمراً لا مفر منه ويمكن أن يطبق المزيد من الضغوط على البنك المركزي، الذي باتت استقلاليته محط التساؤلات، من أجل تخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر خلال الاجتماع المرتقب في 23 أغسطس.